وبما أنها مال عام، وأوجدت من أجل راحتنا ورفاهيتنا، لا تجد العين التي تحرس مرافقها وتصونها، إلا أن البعض منا لا يدرك عن جهل قيمتها وأهميتها، فيحاول العبث بمحتوياتها وإتلافها بدلا من الاعتناء بها والمحافظة عليها، فإذا كان هذا السلوك العبثي الضار مصدره الصغار، لماذا يمتنع إذا الآباء عن ردع أبنائهم ونهيهم عن هذا الفعل المدمر، ففصول المدارس ومحتوياتها تحمل أيضا صورا من عبث الطلاب.. وكذلك أرصفة الشوارع وأعمدة الإنارة لا يخلو من هذا الدمار.. والمشهد يشمل كافة المرافق التي تمثل منجزات حضارية ويتربصها جاهل عابث.. في هذا التحقيق نسلط الضوء على العبث والتشويه الذي يطال الحدائق العامة داخل الأحياء التي أنشئت أصلا من أجل المواطنين وراحتهم وتشمل ملاعب طبيعية أو صناعية، ومزودة بكافة المستلزمات ومع هذا تتعرض للانتهاك والتدمير والتهشيم، ما يترك مشاهد مؤلمة لا يمكن تجاوزها.. فدعونا نستعرضها مع عدد من أبناء الأحياء المتضررين وأيضا مختصين في مجال الحدائق والملاعب: أبناء الحي براء وكان أول المتحدثين، وسام زيد الحازمي، الذي بدا متأثرا بالوضع، وقال: لم ننعم كثيرا بالحديقة التي دشنت في حينا، حتى طال العبث والخراب مرافقها التي أوجدت من أجل راحة السكان، ويضيف: لم يمض على افتتاح الحديقة عام واحد، حتى طالت أيادي العبث ملعب الكرة القدم الذي تحول إلى خراب، وشمل الخراب البساط المطاطي واقتلاع البلاط والأحجار التي تناثرت على أرضية الملعب وعلى أطرافه، فيما لا يتورع البعض عن إشعال نار الشوي فوق المساحة الخضراء الطبيعية، أو تدمير وتهشيم نظام الإضاءة وقد تمكنت الشرطة من القبض على بعض المعتدين حسبما سمعت. وأردف: يعتقد البعض أن من ينفذ هذا العمل المشين هم من أبناء الحي ولكنني، على يقين أن أبناء الحي هم براء عن التهمة، ولا يمكنهم الشروع في مثل هذه الأعمال التخريبية في منشآت وجدت أصلا للخدمة بل على العكس تجدهم يدافعون عنها، ويدخلون في صدام مع أبناء الأحياء المجاورة حرصا منهم ورغبة في الحفاظ على هذه المكتسبات، وخلص على القول: «آمل حماية هذا المشروع الحيوي الذي يخدم الأسر وأبناءها، من عبث العابثين الذين لا يقدرون قيمة هذه المرافق ويشرعون في تنفيذ أعمال سيئة لا ترضي الله ولا تتماشى مع أخلاقنا وعاداتنا». حطب ووليمة من جهته، روى عبدالله ماهر مليباري، أنه توجه قبل مدة برفقة أسرته، إلى الساحة الخضراء الواقعة على شارع «صاري» بجوار دوار الهندسة شمال جدة، ويضيف: بعد صلاة المغرب توجهت نحو (الممشى) لممارسة رياضة المشي، ولم ابتعد سوى خطوات إلا وشاهدت أشخاصا يشعلون النار فوق العشب الأخضر لتجهيز وليمة العشاء، دونما الالتفات للضرر الذي سيلحق بالعشب، فاقترحت عليهم استخدام موقد الغاز إن كان من الضروري إعداد وجبتهم هناك بدلا من إتلاف المكان والمساحة الخضراء من خلال إشعال الحطب والفحم، إلا أنهم ردوا بكل برودة أعصاب بالقول: (إذا أردت أن تتناول العشاء معنا حياك الله وإلا عليك بطرد كل الناس الجالسين في هذا المكان إن كان المكان ملكا لك)، حينها فكرت مخاطبة الأمانة ولكنني استبعدت الفكرة وواصلت طريقي. المشروع مكلف جدا بدوره، ذكر المهندس محمود كمال عبدالله (41 عاما، منفذ حدائق عامة وملاعب) أن بناء الحديقة العامة يستغرق ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر، وأن المسألة لا تتعلق بالوقت فقط، بل لابد من أخذ الجهد والتكلفة المالية في الحسبان، فتكلفة تنفيذ الحديقة الواحدة بمساحة الألف متر مثلا تصل إلى 300 ألف ريال تقريبا، وهي تكلفة عالية تتحملها خزينة الدولة من أجل رفاهية المواطن، فالعبث بمثل هذه المرافق تشعر المرء بالألم، خصوصا وأنها تتعرض للتدمير والإزالة بل والحرق للكثير من أشجارها أحيانا بفعل الشباب والصبية دونما إحساس بالمسؤولية، ويصل العبث أحيانا إلى عرقلة وتنفيذ المشروع في وقته المحدد. وزاد: «أثناء تركيب (الأنجيلة الصناعية) نفاجأ بأن هناك من قام بإشعال الحريق في أجزائها أو نزع جزءا منها وهذا يجبرنا على العودة من نقطة الصفر، وهذا العبث يشمل أعمدة الإنارة التي تتعرض للتهشيم والتلف». وأضاف: المشروع لا يتعلق بالحدائق فقط، وإنما يشمل ملعب لكرة القدم للكبار والصغار، كرة الطائرة، الألعاب، المراجيح والجلسات العائلية المشروع كما ترى مكلف جدا، ويفترض المحافظة عليه وعدم العبث به خصوصا وأن العمر الافتراضي لهذه المرافق ما بين 10 إلى 15 عاما في حال صيانتها والاعتناء بها. آباء يطردوننا ويتدخل بليغ عزت عبد الموجود (حارس حديقة) قائلا: بصفتي أعمل حارسا وأتولى حماية هذه المنشأة حتى اكتمال بنائها، أواجه الكثير من المشاكل من بعض المراهقين أو من يقومون بالعبث بمحتويات الحديقة، وعلى سبيل المثال كنت أعمل حارسا لحديقة «النوارية» والتي دشنت منذ عدة أشهر كإحدى أفضل الحدائق تجهيزا، وتخدم سكان حي زهرة العمرة في مكةالمكرمة، وتشمل ملاعب صناعية ومدرجات ودورات مياه. وأضاف: هذه الحديقة التي دشنت قبل أشهر قليلة تعرضت للعبث بصورة قاسية، حيث طال الخراب السياج، الشبك، وأعمدة الإنارة وأعمدة حراسة المرمى الحديدية، وتابع: حاولت إنقاذ نخلة أو نخلتين من الاحتراق الكامل، فعندما نشاهد أحد هؤلاء العابثين من الشباب نستعين بإمام المسجد أولا أو نتوجه إلى والد هذا الشاب لإبلاغه بالأذى وفي حال عدم تجاوب الأب نبحث عن شخص عاقل نطلب منه المساعدة، خصوصا وأن بعض الآباء تكون ردة فعلهم عنيفة تجاهنا. لاعب وخبير حدائق بدوره تناول محمد شعبان (خبير في تجهيز الحدائق الطبيعية والملاعب الصناعية) مراحل إنشاء المشروع وقال: تكون بداية إنشاء حديقة أو ملعب من خلال تمهيد الموقع أولا، عبر استخدام الآليات والمعدات الخاصة، ثم الشروع في بناء حدود الملعب ووضع أنابيب تصريف المياه، ورصف البساط الأولي يليه بساط «الإنجيلة» الصناعية لتبدأ بعدها إحدى أصعب المراحل وهي تخطيط الملعب التي تحتاج إلى حسابات دقيقة في تحديد أجزاء الملعب ابتداء من المرمى وانتهاء بالوسط، عقبها يأتي دور رش «السيلكا» على الإنجيلة الصناعية ثم تأتي مرحلة وضع «الربر» وهي حبيبات بلاستيكية مهمتها حماية اللاعبين أثناء السقوط. وأضاف: فيما مضى كنت لاعب كرة قدم، ولكن الظروف دفعت بي إلى التحول للعمل خبيرا في تجهيز الحدائق الطبيعية والملاعب الصناعية، ففي البداية كنت أشاهد المهندسين أثناء تنفيذهم الملاعب في النادي، وقد لفتت نظري هذه المهنة فقررت تعلمها ودراستها ومن هنا وجدت نفسي بها حتى وإن كانت مرهقة إلا أنها مهنة رائعة. تدمير حاويات النفايات ويتدخل المهندس أحمد عسقلاني في الحديث بالقول: بالفعل إن مرحلة التخطيط هي أصعب مرحلة في المشروع رغم استخدامنا للأجهزة الحديثة، ومع هذا يتطلب الأمر المتابعة والتواجد الميداني للخروج بالعمل على أكمل وجه ومن دون عيوب، لا يتم وضع طبقة الإنجيلة الصناعية إلا بعد مد أنابيب الصرف التي تدفع بمياه الأمطار خارج الملعب في حال هطول الأمطار وزاد: «من المؤلم أن نشاهد أحيانا أن هذه التمديدات تتعرض للعبث، حتى ألعاب الصغار من مراجيح وخلافه، تتعرض للتكسير والتدمير عبر نزع مسامير الربط أو قطع السلاسل الحديد، ما يجعلها تشكل مصدر خطورة على الأطفال، ولم تسلم من العمل الجنوني حتى حاويات النفايات.