ورد في النهي عن الصبغ بالسواد أحاديث لا يصح منها شيء. وغاية ما احتج به المانعون حديث أخرجه مسلم من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد). وزيادة:(وجنبوه السواد) فيه معلولة لا تثبت؛ ولذلك قدم مسلم رواية زهير بن معاوية مصرحا فيها بسماعه من أبي الزبير بغير هذه الزيادة وأخر رواية ابن جريج التي فيها الزيادة وهذه طريقة تعليل مسلم في كما نص في مقدمته. ويشهد لصحة هذا الترجيح أن النسائي أخرج هذا الحديث من رواية عزرة بن ثابت عن أبي الزبير بغير تلك الزيادة. ويؤكد بطلانها إنكار أبي الزبير لها ففي روايته عند أحمد:(قال زهير: قلت لأبي الزبير: أقال جنبوه السواد؟ قال: لا) وهكذا رواه علي بن الجعد في مسنده،وأبو داود الطيالسي. فما رواه زهير بن معاوية وعزرة بن ثابت عن أبي الزبير بغير تلك الزيادة هو المرجح، لأنهما ثقتان ثبتان لا يقارن ابن جريج بهما وابن جريج موصوف بالتدليس ربما دلس تلك الزيادة عن بعض الضعفاء. الصحيح الثابت في هذه المسألة ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) وفي رواية:(غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود والنصارى) أخرجه البخاري ومسلم؛ وقد جاء الأمر بتغيير الشيب فيه مطلقاً لم يستثن شيئاً من الأصباغ بما فيها السواد ومعلوم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. والحديث فيه إشكال آخر وهو أن مداره على أبي الزبير؛ وأبو الزبير معروف بالتدليس، ولم يصرح فيه بالسماع من جابر في كل الروايات عنه. وما ذكر من شواهد لحديث أبي الزبير بتلك الزيادة لا يصح شيء منها. واحتج المانعون بما رواه ابن عباس عن رسول الله أنه قال:(يكون قوم في آخر الزمان، يخضبون بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة). وهذا حديث منكر مداره على عبد الكريم بن أبي المخارق على الصحيح ومن قال هو الجزري لم ينتفع به؛ فكلاهما فيه جرح هذا فضلا عن الاختلاف في رفع الحديث ولا يصح رفعه؛وقد عده ابن الجوزي وغيره في الأحاديث الموضوعة. وقد صححه بعضهم والحق أن كلا الحديثين غير صحيح؛ أما حديث ابن عباس فمنكر أصلاً، وأما حديث جابر ففي صحته من أصله نظر فضلا عن أن زيادة:( وجنبوه السواد) المحتج به على منع لا تثبت من وجه صحيح. والصحيح الثابت في هذه المسألة ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) وفي رواية:(غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود والنصارى) أخرجه البخاري ومسلم؛ وقد جاء الأمر بتغيير الشيب فيه مطلقًا لم يستثن شيئًا من الأصباغ بما فيها السواد ومعلوم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وقد اختلف الفقهاء في الصبغ بالسواد فقال المالكية والحنابلة بكراهته؛وقال بعض الشافعية بحرمته؛وجوزه مطلقا جماعة من الفقهاء قديما وحديثا وطائفة من الحنفية وهو الصحيح وعليه عمل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم دون نكير من أحد عنهم منهم:أبو بكر الصديق،وعمر بن الخطاب،وعثمان بن عفان،وعلي بن أبي طالب،وسعد بن أبي وقاص،وأبوبردة،وعروةبن الزبير،وشرحبيل بن الصمت،وعنبسة بن سعيد،وعبدالله بن جعفر،وعمروبن العاص،والمغيرة بن شعبة،وجرير بن عبدالله،وعقبة بن عامر الجهني. وروي عن الحسن والحسين: أنهما كانا يصبغان بالسواد. أخرجه ابن أبي شيبة وغيره بأسانيد صحاح. وسئل محمد بن الحنفية عن الخضاب بالوسمة فقال:هي خضابنا أهل البيت؛وكان هو يختضب بالسواد . أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح والوسمة هي السواد. وحكي عن التابعين منهم:ابن سيرين،وعمرو بن عثمان،وعلي بن عبدالله بن عباس،وأبوسلمةبن عبدالرحمن،وعبدالرحمن بن الأسود،وموسى بن طلحة،والزهري،وأيوب،وإسماعيل بن معدي كرب،ومحارب بن دثار ويزيد،وأبي يوسف،وأبي إسحاق،وابن أبي ليلي،وزياد بن علاقة،وغيلان بن جامع،ونافع بن جبير،وعمرو بن علي المقدمي،والقاسم بن سلام. قال القرطبي: روي عن جماعة كثيرة من السلف أنهم كانوا يصبغون بالسواد. فالحق أن الصبغ بالسواد مشروع لحديث أبي هريرة المتفق على صحته ولا يصح شيء من أحاديث النهي عنه على الصحيح،وعليه عمل الصحابة والتابعون. [email protected]