الحوار مع شخصية مثل الدكتور رشاد أحمد فارح المرشح لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو له مذاق خاص، فمن الوهلة الأولى تشعر وكأنك أمام ملتقى حضارات، فهو قد درس في أوروبا، فضلا عن كون زوجته يابانية وعاش خمسة عشر عاما سفيرا لبلاده «جيبوتي» في طوكيو، جعلته يؤمن بأهمية الحوار مع الآخر، ويضع خارطة طريق للنهوض بالتنمية في دول الجنوب، وعنده أمن أوروبا لا يبدأ من حدودها، بل بانتزاع جذور الفقر من الدول المصدرة، وأن الخوف كل الخوف من أن تخترق الجماعات الإرهابية لصفوف هؤلاء المغامرين الباحثين عن الخبز، فضلا عن رؤيته للدور التنويري للأزهر في أوروبا، كلها كانت على طاولة حوار ( اليوم ) مع الدكتور رشاد فارح . أفريقي عربي مسلم : بداية نود التوقف أمام شخصية الدكتور رشاد فارح المرشح الجيبوتي لمنصب مدير منظمة اليونسكو. - مواطن جيبوتي تعلم من شعبه معاني السلم وحب الخير، وشجعته ثقافته المنفتحة على المضي قدما في دروب العلم، فتخصص في التاريخ والجغرافيا والعلاقات الدولية، ومنذ أن تلمس خطواته الأولى في وزارة الخارجية، وهو يعيش حلم الانفتاح على العالم وشعوبه، وقاده السلك الدبلوماسي للعمل في ثلاث قارات هي: أفريقيا وآسيا وأوروبا، رأيت خلال رحلتي صورا متنوعة للعالم، وبصفتي ابنا للقارة الأفريقية التي بها عديد من الصور التي عشتها، لذلك فإنني أطمح من خلال بوابة منظمة اليونسكو الى العمل على نشر الثقافة باعتبارها أساس التنمية وإتاحة الفرصة لإبراز قدرات الإبداع عند الإنسان، وتدعيم التواصل بين الشعوب والحضارات. ما دلالة أن يكون المرشح للمنصب أفريقيا عربيا مسلما ؟ أعتقد ان وجود عربي مسلم أفريقي على رأس اليونسكو سيساعد المنظمة على لعب دور أكبر في المصالحة بين الشعوب والثقافات، وسيبعث رسالة قوية للشباب العربي الأفريقي بأنه ليس على هامش العالم أو في حالة عداء مع الآخر، ومن ثم فإن الترشح من أجل تنفيذ رؤية تحتاجها المنظمة ويحتاجها العالم. كيف استطعتم الحفاظ على توازنكم خلال تنقلكم بين ثلاث قارات بشتى أطيافها ؟ - من صفة المواطن العالمي، أن يكون قادرا على استيعاب صدمة الحداثة، وتوظيف ما يتاح له من فرص لتعزيز التعاون بين الشمال والجنوب، دون أن يضل طريقه في زحام التجاذبات الأيديولوجية أو صراعات المدارس الفكرية والسياسية، وتلك كانت فلسفتي، حيث عمدت إلى استثمار جهودي في التنسيق مع منظمة اليونسكو، من خلال ابتكار ما يسمى (مختبر أفكار ) في منطقة شرق أفريقيا تحت عنوان (الآفاق الواسعة ) من خلال التعاون مع جامعات شرق أفريقيا ومشاركة ممثلين عن الجامعات الأجنبية والعربية. الخصوصية الثقافية ما المطلوب من الأفارقة؟ -الأفارقة مدعوون لحماية خصوصياتهم الثقافية دون أن يعني ذلك الانغلاق أو التقوقع، فالتراث الأفريقي من أعرق وأثرى تراث الانسانية وأكثرها تنوعا وتعددا، لكن للأسف لم تتوافر للقارة السمراء رؤية أو إستراتيجية واضحة المعالم لإدارة هذا التنوع، وتقديمه للعالم بصورة جذابة. ما رأيكم فيمن يصف التراث الأفريقي بأنه إحدى محطات التوحش البدائي؟ - هذا غير صحيح، فالتراث الأفريقي متفاعل مع التاريخ، فقط هو تراث مازال مرتهنا بمشاكل التخلف التنموي وبالطبيعة القبلية المستحكمة في مناطق عديدة، ويجب التعامل معه باحترام حماية التنوع الانساني، التي هي من مقدسات حقوق الانسان. هل يأتي ذلك على حساب اللغة والثقافة العربية ؟ - الثقافة العربية أصيلة ومتجذرة في العديد من الدول الأفريقية، وهناك دول مثل جيبوتي متمسكة بعروبتها، واللغة العربية لها مكانة بارزة في التعليم، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في مكانة الثقافة العربية في عصر العولمة وحضورها في القرية الاتصالية ومدى جاذبيتها للشباب الممزق في الغالب بين ثقافة الآخر الغازي وثقافة الموت الآتية من الماضي، مع مراعاة أنه لا ينبغي النظر إلى حضور الثقافة العربية في أفريقيا أو أوروبا أو في أمريكا أو آسيا وأستراليا، على مجرد الحديث باللغة العربية، وإنما على قدرة ثقافتنا ولغتنا العربية على إنتاج رموز وقيم وأشكال حضارية، متفاعلة مع التاريخ، وأن يكون مقياس حضورها مرتبطا بقدرتها على أن تكون لغة علوم وتكنولوجيا، ولغة حاضرة بإبداعاتها الفنية والأدبية بقوة في الثقافة الانسانية. هل الحالة المصاحبة لما بعد الثورات العربية ظاهرة صحية أم افتقاد للبوصلة ؟ - الثورات في كل مكان تحتاج الى فترة قد تطول أو تقصر حتى تستقر الأمور وتتضح موازين القوى وتحسم الخيارات السياسية والتنموية، وربما يكون للعامل الخارجي دور ما في توجيه الأمور في هذه الجهة أو تلك، لكنني على قناعة أكيدة بأن شعوب الربيع العربي، ستحمي انتقالها الديمقراطي من الانتكاسة، ويكون النصر للقوى الوسطية المعتدلة التي ترفض التطرف سواء كان علمانيا أو إسلاميا. كيف ترى الدور التنويري للأزهر ؟ - الأزهر له دور تاريخي معروف، وهناك فرصة لتنسيق الجهود بينه وبين منظمة اليونسكو لتنظيم مؤتمر دولي يتم عقده سواء في مصر أو الحبشة بحكم أن بهما 35 مليون مسلم و40 مليون مسيحي، أيا كان المكان المهم أن نبدأ الحوار الذي يمكن أن يلعب فيه الأزهر دورا كبيرا ويطرح فكرا جديدا يعبر عن كل دول العالم الإسلامي. كما يمكن تفعيل كافة المراكز والمؤسسات الدينية في العالم الاسلامى للمساهمة في إعطاء صورة واضحة عن حقيقة وجوهر الإسلام، والبداية تكون من أطفالنا ثم نسعى نحو الآخرين، لأنه من الممكن أن يضل أطفالنا الطريق دون وجود مرجعية من الأزهر. مبادرات الحوار على ذكر قضية الحوار .. كيف تنظرون إلى جهود خادم الحرمين الشريفين في تبني مبادرات الحوار بين أصحاب الديانات ؟ - نحن نثمن جهود خادم الحرمين الشريفين في تفعيل حوار الأديان على الصعيد العالمي، التي تساهم في التعريف بصحيح الإسلام ومد الجسور مع العالم الغربي، ويمكن أن يكون لذلك نتائجه الملموسة إذا تم التنسيق والتعاون مع اليونسكو، من أجل إظهار صورة الإسلام كدين سماوي يجمع بين الشعوب العربية والإسلامية في صوت واحد، ويرد على المزاعم القائلة بأن هناك أنواعا متعددة من الإسلام.