أتذكر أيام دراستي في المرحلة الثانوية أن عدداً من زملاء الدراسة كانوا متزوجين وبعضهم كان لديه أطفال، تلك الحالة الاجتماعية التي تكونت فيها الأسرة مبكرا لم تكن تتمخض عنها مشكلات بالغة أو معضلات تبرز على السطح إلا في الحد الأدنى الذي لا يمكن التوقف عنده. لم يكن الزواج حينها مكلفا، حيث إن المهور قليلة وحفلات الزواج تكون في المنازل وكان زملاء الدراسة المتزوجون يسكنون في بيوت آبائهم ويعيشون من مصروف الأب في قناعة ورضا، وقد يسعى الطالب في وقت المساء إلى العمل وكسب الرزق، وهؤلاء الطلاب كانوا جديرين بتحمل المسؤولية في هذه السن، وكانت الأمور تسير بشكلها الطبيعي دون منغصات أو عقبات، ولكون الوظائف في ذلك الحين في القطاعين العام والخاص تستقطب خريجي الثانوية، فقد كان الزواج في المرحلة الثانوية منطقياً، إذ إن الشاب المتزوج يكون في مرحلة انتقالية بين الدراسة والعمل لا تتجاوز السنتين أو السنوات الثلاث أو مواصلة الدراسة الجامعية، وللطالب الجامعي المتزوج آنذاك مكافأة مجزية وكافية في ظل سكن مؤمن في بيت أهله وفي ظل مصروف لا ينهشه غلاء المعيشة والمظاهر الكاذبة والكماليات الباهظة، نحن - بلا شك - أمام مشكلة كبرى تحتاج إلى تضافر جهود الجميع لعلاج هذا الخلل الذي ينخر في بنية مجتمعنا، من المهم القضاء على البطالة بتوفير الوظائف للشباب برواتب مجزية وتقليل المهور وتيسير أمور الزواج والاقتصاد في مصاريف الزواج، والحل الجذري لمشكلة السكن وكبح جماح الغلاء الذي أكل الأخضر واليابس. وفي تلك الفترة كان التوازن السكاني ملحوظا في عدد الشباب والفتيات وكانت مناسبات الزواج تتم ضمن سياقها الاجتماعي الطبيعي. كما أن نسب الطلاق كانت محدودة جداً وهذا انعكس على استقرار مجتمعي في تلك الفترة لا تخطئه العين، وفي ظل متغيرات اجتماعية بالغة حدثت خلال ثلاثة عقود تبدلت أمور كثيرة حدثت خلالها تحولات دقيقة، فلقد أصبح زواج الشباب محدوداً، ومتوسط أعمار المتزوجين من الجنسين أصبح يناهز سن الثلاثين في ظل مهور عالية جداً تتبعها مصاريف حفل الزواج التي تحمّل الزوج تكاليف ترهقه مادياً لسنوات وقبل ذلك اشتراط الزوجة وأهلها شقة سكنية، فلم يعد الآن مقبولاً سكن الشباب المتزوجين مع أهلهم إلا نادراً جدا، وهذه الشقق الآن لا يقل إيجارها السنوي عن خمسة وعشرين ألف ريال سنويا، هذه المبالغات في المهور وفي إيجار الشقق يقابله راتب ضئيل يستهلكه كذلك غلاء المعيشة والأقساط والقروض البنكية والفواتير والرسوم المختلفة. هذه الحالة الاجتماعية البائسة التي قلت فيها نسبة الزواج وزاد فيه عدد العوانس الذي بلغ مليوني عانس. كما ذكر في الإحصائيات مؤخراً، يضاف إليها ثالثة الأثافي وهو تزايد نسب الطلاق بنسبة حالة طلاق واحدة تقابل كل ثلاث حالات زواج هذه النسب والمشكلات. لا شك في أن لها آثاراً مستقبلية بالغة السوء في المجتمع، وللحديث عن الآثار المترتبة على هذا التغير الاجتماعي فنحن - شئنا أم أبينا - أمام نتائج سيئة لهذا الخلل الذي يحتاج إلى تدارك في أسرع وقت ممكن فتأخر زواج الشباب وانعدام الأمل في نفوسهم من تحقق هذا الحلم يجعل كثيرا منهم حين تلح عليه الغريزة ويقل عنده الوازع إلى السفر وارتكاب الكبائر. كما أن تأخر زواج الفتيات وزيادة عدد المطلقات يسبب العلاقات غير الشرعية التي تبدأ بذريعة الحب وتنتهي بارتكاب المحرم، ولا يخفى أن عدم الزواج للجنسين في سن مناسبة يسبب أيضا الكثير من الأمراض العضوية والنفسية، وقد يلجأ هؤلاء إلى ممارسة العادات السيئة التي ليس أولها التدخين وليس آخرها تعاطي المسكرات والمخدرات. نحن - بلا شك - أمام مشكلة كبرى تحتاج إلى تضافر جهود الجميع لعلاج هذا الخلل الذي ينخر في بنية مجتمعنا، من المهم القضاء على البطالة بتوفير الوظائف للشباب برواتب مجزية وتقليل المهور وتيسير أمور الزواج والاقتصاد في مصاريف الزواج، والحل الجذري لمشكلة السكن وكبح جماح الغلاء الذي أكل الأخضر واليابس. شبابنا - من الجنسين - يعانون، وإذا لم يجدوا حلولا جذرية لهذه المشكلات التي تطوق أعناقهم وتضغط على رقابهم فنحن مقبلون - لا قدر الله - على كارثة اجتماعية كبرى. twitter: @waleed968