بينما كان وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي يمر إلى منصة الكلية الحربية الأسبوع قبل الماضى، حيث تخرج طلبة التأهيل من الكليات العسكرية، بدت عليه علامات الاندهاش من جمهور الحضور من أهالي الطلاب من ذي اللحى والمنتقبات وبدا لكثيرين أن هذا المشهد - وإن كان يحدث للمرة الأولى - إلا أنه يعكس مخاوف تدور داخل المؤسسة، وربما كان السبب فى استطراد وزير الدفاع فى الحديث عن صعوبة أخونة المؤسسة العسكرية، وأن من كان لديه أي انتماء، فعليه أن يخلعه أو الأفضل أن ينساه، لم يكن هذا هو الحديث الأول من نوعه للفريق أول السيسي، فقبلها بأسبوعين كان له حديث مماثل زاد عليه أنه ما أثير حول أنه سيقال من منصبه، مؤكدا انها كانت مجرد شائعات، ورغم تقديرات خبراء عسكريين تقول: إن جيلا من الشبان من أبناء من ينتمون الى تيار الإسلام السياسي وتحديدا الاخوان المسلمين فى طريقهم للمؤسسة العسكرية، إلا أن المصادر العسكرية تشير الى صعوبة الاختراق، أو أنها قادرة على تغيير أفكار من ينتمون اليها من ذوي تلك الانتماءات. بالونة الاختبار وبلهجة حادة تعاملت مصادر عسكرية عن بالونة الاختبار التى روجت عبر مكتب النائب العام حول السماح بالضبطية القضائية لمدنيين، واستنكر خبير محاولات جر البلاد الى الاحتراب الأهلي وتشكيل مليشيات موازية للجهاز الأمنى، مؤكدا إن القوات المسلحة لن تسمح بذلك كونه يهدد الأمن القومي والاجتماعي للبلاد، وأشار الى أن خطاب السيسي لضباط المخابرات الحربية بأن القوات المسلحة ستحافظ على مكتسبات هذا الشعب وهي الرسالة التى تعد الأولى من نوعها التى توجه الى جهات سياسية بهذا المعنى. جماعة الاخوان المسلمين دأبت على الترويج خلال الشهور الأولى من وصول الرئيس محمد مرسى المنتمي اليها للحكم بمدى حميمية العلاقة بينه وبين الرئاسة، بل وقبلها حينما كان مرسى رئيسا للحزب، حيث استقبله السيسي فى المخابرات الحربية حينما كان مديرا لها، لكن لم تعد المصادر والقيادات الاخوانية تتحدث بنفس الكيفية عن الجيش، ولا حتى عن وزير الدفاع، ويقول مصدر عسكرى : «إن مرسى بصفته السابقة كرئيس للحرية والعدالة كان يستقبل فى القوات المسحلة والمخابرات الحربية دون استثناء، لكن ذلك كان فى إطار توجيه من المجلس الأعلى للقوات المسلحة حينها باستقبال كافة القيادات الحزبية كأجراء سياسي للقوات المسلحة التى كانت تدير شئون البلاد وليس استثناء كما روج الاخوان. ويشير حبيب إلى أنه لم تكن هناك أية علاقة مع المؤسسة العسكرية، فالمخابرات الحربية كانت قادرة على إقصاء أى إخواني أو مشتبه فيه بدرجة قرابه اخوانية ليس فقط من الانتماء للجيش، وإنما حتى من التجنيد وهذا أمر معروف. حزم عسكري وقطع الجيش الطريق على شائعات وبالونات اختبار أخرى فى أكثر من ملف يقول المصدر العسكرى: هددت أمن البلاد أهمها قطع الطريق على الاختراق الفلسطيني فى سيناء، حيث صدر قرار تم التعامل معه بحزم فى موضوع تملك الأراضي. كما صدر بيان حازم حول ملكية قناة السويس لشعب مصر وأن أمنها من أمن مصر ردا على الشائعات التى تناولت محاولة حصول قطر على امتياز خاص فى مشروع توسيع وتطوير شرق التفريعة. خبراء عسكريون يرون أن ما يحدث فى بورسعيد فى الوقت الراهن، حيث أخرج الجيش والشعب فى بورسعيد أفضل صورة عرفتها مصر من اندلاع الثورة، واستقرار الأوضاع هناك رغم المخاوف الشديدة من اتساع دوائر العنف التى شهدتها المدينة منذ احتفالية الذكرى الثانية لثورة يناير وحكم القضاء فى مجرزة بورسعيد، بعض الخبراء ينظر إليها على أنها دراسة حالة «بروفة» الآن فى اختبار الجيش بالعودة إلى الساحة المدنية مجددا، رغم تنافي ذلك مع حديث اللواء أحمد وصفي قائد الجيش الثاني الميداني بأن الجيش مؤسسة قتالية وليست أمنية، لكن مع تكاثر دعوات مدنية بعودة الجيش للعب دور سياسي بدا الأمر محل دراسة من الجميع، واتساع دائرة هذا النموذج في مدن القناة. علامات استفهام لم تكن هذه هى الصورة الوحيدة المعبرة عن مدى العلاقة التى وصلت اليها العلاقة بين جماعة الاخوان المسلمين والجيش أو مع القيادة السياسية، فرغم التقاط صور للقاء جمع مرسى والسيسي فى القصر خرج بعد بيان رئاسي بتأكيد الثقة فى الرجل، إلا أن الصور التى التقطت بحرص بعد ذلك شوهد فيها وزير الدفاع وهو يقبل رأس أم الشهيد فى مسجد آل رشدان، بينما كان الرئيس يصلي في مسجد عباد الرحمن، بل ووضع السيسي أكاليل الزهور على قبر الشهيد وحده، وهو ما وضع الكثير من علامات الاستفهام حول هذه المشاهد. اختراق الجيش ربما كان تنظيم الاخوان المسلمين حريصا على الانتشار داخل الجيش رغم محاولات نفي قيادته هذا الأمر، وهو ما شدد عليه محمود حسين الأمين العام له فى لقاء خاص «لكن تاريخ الجماعة حافل بتلك المحاولات، بل إن الجماعة لدى تأسيسها حاولت ان يكون لديها تنظيم مواز فى داخل القوات المسلحة، كان يسمى تظيم الوحدات، الذى يشير مصدر قيادى اخوانى فى لقاء خاص» الى أن محمد مهدي عاكف المرشد السابق كان أخر المسؤولين عنه، لكن محمد حبيب القيادي السابق فى الجماعة وعضو مكتب ارشادها يقول فى مقابلة خاصة : «إن التنظيم فى بدايته كان حريصا على هذا، لكن تنظيم الوحدات كان من داخل الجيش نفسه، لكن بانتماء اخوانى، ولم يستعن فيه بعناصر مدنية سوى البعض للقيام بعملية تنسيق ادارية، واللواء صلاح شادي كان هو أخر المسئولين عن هذا التنظيم الذى انتهى عام 54 تقريبا على يد عبد الناصر، ولم يعد هناك أي محاولة لاحيائه، حتى عام 2010، ويشير حبيب إلى أنه لم تكن هناك أية علاقة مع المؤسسة العسكرية، فالمخابرات الحربية كانت قادرة على إقصاء أى إخوانى أو مشتبه فيه بدرجة قرابة اخوانية ليس فقط من الانتماء للجيش وإنما حتى من التجنيد وهذا أمر معروف. محطات مختلفة ربما مرت علاقة الاخوان المسلمين بأجهزة الدولة المصرية وفق هذه الرؤى بمحطات مختلفة أولها محاولة صناعة كيانات موازية لأجهزة الدولة العسكرية والامنية والاستخبارية، لكنها قوضت فى عهد عبد الناصر، ثم كانت المرحلة الثانية مرحلة التعامل بالتسييس بين الاجهزة والتنظيم، فالدولة استمرت فى ضرب قواعد التنظيم واجهاض أى محاولات لخروجه عن السيطرة دون القضاء عليه تماما، بل عقدت صفقات معه أشهرها ضرب اليسار فى عهد «السادات» وباتفاق مع المرشد عمر التلمساني، أو فى عهد مبارك أكثر من مرة فى ملفات النقابات المهنية الذى ادارته المخابرات العامة مع التنظيم لخروجه من الساحة السياسية مقابل السماح له بالعمل الدعوي، وادارة عمر سليمان، أو ملف الانتخابات البرلمانية عام 2005 الذى أداره حسن عبد الرحمن رئيس الجهاز السابق مع قيادات الجماعة وأبرزهم خيرت الشاطر، الرجل الحديدي فى الجماعة والمسؤول عن ملفها الأمني اليوم، ويقول حبيب : لم تكن لدينا علاقة من قريب أو بعيد مع الأمن سوى أنه كانت هناك «تفاهمات « تجرى من وقت لآخر، وأعتقد أن هذا الملف كان شديد الحساسية، لذا أريد ألا أتطرق إليه دوما. صفقة مفضوحة لم يكن محمد حبيب - رغم وجوده فى مكتب الارشاد - على دراية كافية بالملف الأمنى، فالشاطر أبرم الصفقة التى انفضح أمرها عام 2005 حين وجود حبيب ورفيقه عبد المنعم أبو الفتوح مرشحين من التنظيم يتنازلون عن مقاعدهم لصالح الحزب الوطنى الحاكم حينئذ، وهو ما دفعهم الى الثورة عليه وعلى مرسى الذى كان يدير الملف، لكن الرقم الأهم الذى لم يتطرق إليه أحد فى هذا الملف هو محمود عزت نائب المرشد الذى ينظر إليه على أنه الصندوق الأسود للجماعة، بل إن هناك من يشير إلى أن هذه المجموعة شكلت تنظيما خاصا داخل التنظيم نظر اليه على أنه «جناح الصقور» وكانت أول تحركاته عام 2006 ، حيث العرض العسكري الذي قام به طلاب التنظيم في جامعة الأزهر. أحد عناصر الجهاد السابقين الذى رافق قيادات الاخوان فى السجون خلال السنوات العشر الاخيرة قبل الثورة يؤكد أن التنظيم لم تعد لديه القدرة على اعادة إحياء تنظيماته المسلحة أو الامنية، لأن الأمن أجهض بالفعل أى قدرة على ذلك فى العهد السابق، والآن لم تعد هناك قدرة للتنظيم نفسه على إعادة توفير هذه الاجواء حتى فى ريبته من الاجهزة الامنية والقوات المسلحة. إنها لا تسانده، لكنه يمكنه الاستعانة بعناصر خارجية فى حالات صعبة، وهناك من يقول أن حركة حماس يمكنها توفير 5000 عنصر للجماعة ويمكنها أيضا أن تعيد تدريب عناصر خاصة من الحركة خاصة أن الحركة تحصل على تمويل خاص من ميزانية الجماعة، وبالتالى المتصور أن عنصراً خارجياً يمكن أن يحسم هذا القلق لدى الجماعة. حسابات متناقضة محمود الزهار القيادي فى حماس خلالحديث خاص رفض هذا الطرح، معتبراً أنه محاولة لتشويه صورة الحركة وأنه ليس من الموضوعي أن يكون هناك جيش من الحركة يحل على بلد لديه مؤسسة عسكرية يضرب به المثل فى المنطقة والعالم فى الدفاع عن أمنه القومي، وعقب حسام خير الله نائب مدير جهاز المخابرات العامة السابق بالقول : « لن تسمح لا القوات المسلحة ولا المخابرات العامة ولا الشرطة بهذا، والقرار والانفاق ستغلق.. ستغلق.. والجيش لن يتوانى فى هذا قطع الطريق على هذا السيناريو، لأنه يضعه فى حساباته ولا يستبعده». العنصر الخارجى ربما لا يتوقف على حركة حماس باعتبارها الاقرب جغرافيا لمصر وتسهل الانفاق مهمتها، بل إن التنظيم الدولى ربما يكون داعما الأن للجماعه. يقول كمال الهلباوى العضو السابق فى التنظيم الدولي للجماعة، لم تتورط الجماعة فى عمليات تمويل خارجى أو عمليات تشكيل مليشيات خارجية حتى قيام ثورة يناير أخر عهدي بالتنظيم، لكنها ربما لا تكون حدثت بعد ذلك. تنظيمات ومعسكرات رغم أن تنظيم الوحدات انتهى عام 54 - كما يشير عضو مكتب الارشاد محمد حبيب - إلا أن «معسكرات الجهاد» بقيت حتى منتصف التسعينيات تقوم بهمتها فى تدريب عناصر الجماعة كيفيه مواجهة الاعتقالات ومواجهة الاجهزة الامنية، يضيف مصدر اخوانى، قائلا : « أستطيع أن أجزم بأن الجماعة لم تخترق الاجهزة الامنية بعد الثورة، ولا القوات المسلحة، والمتصور لدى الجماعة ان جهاز الشرطة إن لم يكن لا يريد التعاون مع الجماعة فهو يعمل فى معظمه ضدها، وكذلك «جهاز الأمن الوطني» وريث جهاز أمن الدولة، ويضيف «الآن هناك شخصيات فى كافة المحافظات تلعب دور «المرسال « فقط من مكتب الارشاد إلى المسؤولين الامنيين فى المحافظات وهذا الشخص يبقى معروفا فقط لمكتب الارشاد، ويتم التعامل معه أمنيا فى الاقاليم على أنه شخصية حزبية، كما هو حال بقية الاحزاب.