ربما سنتوقف كثيرا فى مصر خلال الفترة المقبلة عند العلاقات السياسية المدنية- العسكرية ، منذ اندلاع ثورة يناير ، حيث إنها التجربة الأولى من نوعها التى قد تستغرق وقتا طويلا للحكم عليها . لكن أحد أطراف هذه العلاقات خلال الفترة الماضية والاكثر ثراء ، كانت العلاقة بين المجلس العسكرى الحاكم الانتقالى للبلاد وبين جماعة الاخوان المسلمين ، وما أعقبها وهو الاكثر ثراء مرحلة وصول رئيس مدنى للحكم قادم من هذه قلب هذه الجماعة ، فكل من المرحلتين ما يميزه من حالات صعود وهبوط ، شراكة وتحالف أو تعارض واختلاف، وخلال الاسابيع القليلة الماضية، ظهرت العديد من المؤشرات الاستثنائية فى مسيرة هذه العلاقة، حيث المشهد السياسي المتأزم الذى غلب عليه الانقسام فى الشارع السياسي، بين القوى المدنية الليبرالية، والقوى المدنية الاسلامية، التى ظهر خلالها بيان للقوات المسلحة وضعت حالية الكثير من علامات الاستفهام ؟ والذى أثار ردود أفعال، ثم دعوة القوات المسلحة لدعوة حوار وطنى تحولت إلى دعوه لحوار انساني، ثم ألغيت، ثم جاءت تصريحات لمحمد بديع مرشد جماعة الاخوان المسلمين أثارت الجدل. ما شكل العلاقة بين القوات المسلحة والاخوان ؟ أو الاخوان والقوات المسلحة ؟ يحاول الكثير من قيادات الجماعة تجنب تناول العلاقة بأي شكل سلبى اليوم ؟ فيما بدا أنها محاولة من الكثيرين منهم على لعب دور الحمائم لرأب أي صدع أو تهدئة أى جدل مثار ، وفى كلمات مقتضبة للغاية يقول محمود غزلان المتحدث الرسمى باسم الجماعة وعضو مكتب الارشاد ل « اليوم» العلاقات بين الأخوان والقوات المسلحة هى علاقات طبيعة، وشأن الاخوان فيها شأن كل المواطنين والاحزاب والقوى السياسية المختلفة فى العلاقة مع الجيش ، ولا توجد أى خصوصية. وسيبقى الشد والجذب فى هذا الاطار بين الجماعة والقوات المسلحة حتى تفرض الوقائع نفسها حدود كل منهما ومجال حركته فى المشهد السياسي وهذا لن يحدث إلا عندما يستقر المشهد السياسي المتفاعل والصاخب. منعطفات رئيسة لكن مصدرا اخوانيا قياديا فى حزب الحرية والعدالة، أشار فى حديث معه إلى أن هناك بعض المنعطفات الرئيسية فى هذه العلاقة، تتعلق ببعض الشكوك فى محاولة القوات المسلحة أن الدخول إلى حلبة السياسية مجددا بعد أن غادر المجلس العسكرى السلطة، لكن فى النهاية هناك قناعة داخل الجماعة بعدم القلق من القوات المسلحة تجاه السلطة، وأشار المصدر نفسه إن أحد هذه المنعطفات كان فى ظهور بيان الجيش الذى ظهر مواكبا لاحداث الاتحادية، فلماذا كان البيان من الاصل؟ ولماذا لم تكن هناك إشارة إلى الانحياز إلى السلطة الشرعية المتمثلة فى رئيس الجمهورية، بينما شدد البيان على الانحياز إلى الشعب؟ وعلى الرغم من ذلك فإن قيادات الجماعة لم تركز على غياب هذه الفكرة ، ومن الواضح أن مكتب الارشاد قرأ البيان بشكل سطحي لكن الحزب كان أكثر اهتماما بالموضوع، حيث وجه حسين ابراهيم القيادى فى الحزب إلى عدم الالتفات إلى هذا الأمر وأن يتحلى أى متحدث باسم الحزب بهدوء الخطاب إزاء القوات المسلحة، وأجرى اتصال بين شخصيات فى الحزب والسفير رفاعة الطهطاوى رئيس الديوان للاطمئنان على الأمر وجاءت الرسائل مطمئنة للجميع، حيث نعرف مدى علاقة الطهطاوى الجيدة بالفريق عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع، وأعتقد أن الرئيس مرسي أيضا بذل منذ وصوله إلى السلطة مجهودا كبيرا فى احتواء القوات المسلحة لرسم علاقة جيدة بين الطرفين، وهذا كان واضحا بشكل جيد فى موضوع أزمة صحيفة الجمهورية إزاء المشير طنطاوى والفريق سامى عنان فذهب الرئيس الى الجيش وأكد أنه لم يسمح بأي إهانه للجيش أو رموزه». جدل المرشد حديث المرشد الذى كان آخر المحطات المثيرة للجدل فى هذه العلاقة الذى قال فيه : « رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في وصيته الغالية يصف أهل مصر بأنهم خير أجناد الأرض، أي أنهم جنود طيِّعون يحتاجون إلى قيادة،» ولما كانت هناك قيادات فاسدة تبعها هؤلاء الجنود فيحتاج إلى قيادة رشيدة مع توعية الجنود»، اعتبره المصدر السابق محاولة بائسة لتأزيم العلاقة مع الجيش، وقال: من المحتمل أن يكون هناك اتصالا قد جرى بين رئيس الجمهورية ووزير الدفاع لتوضيح فكرة أن التصريحات تم التلاعب بها، لأن المرشد لم يكن يقصدها بالفعل، والديل على ذلك ان المرشد نفسه أشار فى بنى سويف إلى ذلك بقوله : « إن التصريحات مغلوطة وخاطئة ومجتزئه، ووصف ناقليها ببعض اليائسين من إعادة إنتاج النظام السابق للصيد في الماء العكر ولوى عنق النصوص لخدمة أغراض في نفوسهم وتوظيفهم لما وصفه ببعض وسائل إعلام الفتنة، لن تنطلي على الشعب المصري وفي القلب منه جيش مصر العظيم الذي يقدره جميع أبناء شعب مصر ونعتز به ، ولا يمكن أن ننسى دوره في حماية مصر وشعبها وثورتها» . ترضية غير مقنعة وعلى الرغم من تلك المحاولات لترضية الجيش، إلا أنها لم تكن مقنعة للعديد من الخبراء العسكريين، الذين اعتبروا أن هناك نقصا فى الخبرة السياسية لدى الإخوان المسلمين فى التعامل مع الجيش، كما يقول الخبير العسكرى اللواء محمد على بلال فى حديث خاص مع «اليوم» أشار فيه إلى أن الجماعة تتعامل مع الدولة ومؤسساتها على أنها جماعة مناظرة وليست دولة لها كياناتها. مرحلتان مهمتان يقول بلال، هناك مرحلتان فى العلاقة بين الجيش والاخوان، الاولى: المرحلة الانتقالية ، والثانية: مرحلة الحكم التى تلتها ، وفى المرحلة الاولى تعامل المجلس العسكري مع الاخوان على أنهم فصيل سياسي من الضروري وضعه فى الحسبان كقوة سياسية تحضع العلاقة معهم للتفاوض والتعامل والاخذ والرد ، ولم يكن يريد الصدام معهم بأي حال من الاحوال ، لأنه كان يهدف إلى استقرار الشارع بعد الثورة ، ولا يريد أى صدام معهم. أما فى المرحلة الثانية فرئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ، ووزير الدفاع هو القائد العام لها، ومن المفترض هنا أنه لا تكون هناك أى علاقة بين القوات المسلحة والاخوان، لكن الجماعة لم تدرك هذا الحد الفاصل وليس عندهم تمييز بين مرحلة أدارها المجلس العسكرى بحكم موقعة ككيان يماثل رئيس الدولة وبين الجيش الأن ككيان مؤسسي، فتعرضوا له بالشكر تارة وبالاساءة تارة أخرى. تربص قائم عند هذا التصور توقف الباحث سعيد عكاشة الذى أعد دراسة مؤخرا حول العلاقات المدنية العسكرية ، ليقول : «في تقديري أن العلاقة بين الاخوان المسلمين والجيش هى علاقة فيها نوع من التربص، حيث استعدى مدرسة فى الجماعة الموروث التاريخى لتلك العلاقة ، ومنهم محمود حسين أمين عام الجماعة والمرشد محمد بديع، ونائبه محمود عزت ، وهى المدرسة التى ترى أن الجيش فى السابق لعب دورا رئيسا معروفا فى كبح حركة الجماعة وتقويدها على الساحة السياسية فى زمن الرؤساء الثلاثة السابقين ناصر والسادات ومبارك، ثم فى المقابل هناك انفراجه جاءت بعد الثورة دعمها ممارسة ضغوط أمريكية على المجلس العسكرى لافساح المجال السياسى للجماعة، وبين هاتين المرحلتين تخلقت حالة من فقدان الثقة بين الطرفيين «. تصور الجيش لكن ماذا عن تصور الجيش عن الاخوان ، وميراث محاولات اختراقه التى ظهرت فى أدبيات الكثير ممن خرجوا من الجماعة مثل ثروت الخرباوى القيادى السابق فى الجماعة، ومؤلف كتاب سر المعبد ، الذى يشير فيه إلى مثل تلك المحاولات فيما عرف بتنظيم الواحدات، يقطع اللواء بلال ويتفق معه الفريق حسام خير الله وكيل أول جهاز المخابرات العامة السابق والخبير الامنى بأن تلك المحاولات كانت فاشلة، ولم يسمح بها الجيش ولن يسمح، وأى محاولات فردية ظهرت على السطح تم التعامل معها من خلال أجهزة الجيش الأمنية. ويقول اللواء بلال : «ليس هناك قلق فى التعامل مع رئيس أو جماعة مدنية، لكن القلق يساور الجيش عندما نتحدث عن جماعة ذات ايدولوجيا، ويزداد هذا القلق حينما تكون هذه الجماعة كما هو حال الاخوان المسلمين هى جماعة دعوية ولديها هويه سياسية، فتركيبة الجيش تضم كل أبناء الوطن ، والالفة التى فى الجيش تجيىء من هذه الزاوية. أما أن تحاول هوية ما أن تتدخل فى الجيش أو تمسه هذا هو المفروض، لذلك نبه الكثير من الخبراء العسكريين من ان يأتى اليوم الذى قد يحدث فيه استقطاب لوزير الدفاع من جانب أى قوة سياسية فيؤثر ذلك على الجيش وللاسف كرس لهذا الامر فى الدستور الجديد فى المادة المتعلقة بوزير الدفاع. أزمة مكتومة المؤشرات الأخيرة فى العلاقة بين الجيش والجماعة سواء فى بيان الجيش الذى ردت عليه الجماعة ببيان فى اليوم التالى نسبته لمصدر قيادى فى حزب الحرية والعدالة انتقد فيه فيه عدم تعويل الجيش على الشرعية الرئاسية، فى مقابلة كان هناك بيان ردا على تصريحات بديع منسوب لمصدر عسكرى يرفض فيه تصريحات المرشد وقال: إننا لا نقبل هذه التصريحات، يضيف اللواء بلال ، وأعتقد أن القوات المسلحة تعاملت مع المرشد على أنه مواطن لا يستحق الرد المباشر على ما نسب اليه من تصريحات. نحن أمام سجال مكشوف واضح فيه استفزاز الاخوان للجيش ، فتصريحات المرشد مهما جاء من تبرير هى مرفوضه وجارحة لأى رجل عسكرى، ولابد أن تتوقف هذه الجماعة عن أى تصريحات لها علاقة بالجيش ، ولابد أن تتدرب والجماعات الأخرى على كيف تكون التصريحات التى تعنى مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسة العسكرية ، لأنهم لم يتعلموا هذه السياسية، واعتبر بلال أن دعوة وزير الدفاع للقوى الوطنية هى قمة هذا السجال، فلم يكن وزير الدفاع يمارس أكثر من دورة فى حماية الشرعية الدستورية، لأنه ليس من مهامه حماية الشرعية الرئاسية التى توقف عندها الاخوان المسلمين، وهذه الدعوة جاءت فى هذا السياق لحماية البلاد من المخاطر التى تتهددها وهذه وظيفة الجيش، التى أثبتت انه كان يرغب فى الوقوف على مسافة واحدة من كافة القوى السياسية ، لكن الجماعة فسرتها على هواها، وللأسف هم كثيرى الاساءة لمؤسسات الدولة، وكثيرى التراجع عن تصريحاتهم ويحاولون دائما الصاق التهم بالاعلام. إننا لم ننس من الذاكرة القريبة بيان عصام الحداد مساعد الرئيس للشئون الخارجية عندما قال: إن بيانه الذى اعتبر فيه أن المحكمة الدستورية من القوى المعادية للثورة اجتزئ وحرف فى الترجمة. رفض سياسة الإخوان الفريق خير الله ظل متفقا مع كلام اللواء بلال ، وكلاهما تمسك برفض سياسية الاخوان فى التعامل مع الجيش ، وقال خير الله : « للاسف أن المجلس العسكرى تحت وطاة تهديدات الاخوان باحداث بلبلة كانت سياسيه مجرد رد فعل دائما ولم تكن هناك أى مبادرات من جانبه لوقف استغلال الاخوان لاستعراض قوتهم ، وتحول التنسيق والوئام بينهما خلال الفترة الاولى من المرحلة الانتقالية إلى خلاف ، منذ فرض الاخوان عليه أن يبدأ بمجلس الشعب قبل الدستور ، وظل هذا الموقف فارق فى العلاقة بينهما حتى الان ، فالمجلس العسكرى حاول تصحيح الخطأ بتنفيذ ما توصلت اليها المحكمة الدستورية بعدم مشروعية قانون مجلس الشعب وحل المجلس ، فما كان من الاخوان إلا أنهم بدأو المشاركة بفاعلية فى التظاهرات التى تهتف « يسقط حكم العسكر « التى على اثرها وجه المشير طنطاوى اللواء مراد موافى مدير المخابرات العامة السابق لفتح حوار مع الجماعة لتخفيف حدة هذا الاسلوب، لكنه استمر حتى قرر طنطاوى وقف هذه الاتصالات ، وفى هذه اللحظة بدأ الوعز بتدخل مدير المخابرات الحربية وقتها وهو وزير الدافع الحالى الفريق أول عبد الفتاح السيسى ، حيث عاد الاخوان فى الاحتياج الى الجيش مرة أخرى بعد أن فشلوا فى تأمين جلسات مجلس الشعب من خلال عناصر الخاصة ، ومن ثم بدأت هذه العلاقة منذ فتح الاتصال بين الطرفين تأخذ مجرى خاص من خلفية أن الفريق السيسى هو رجل متدين ، وهو ما حاول الاخوان استغلاله ، لكن من الواضح فى النهاية أن الرجل أمامه هدف واضح هو استعادة هيبة المؤسسة العسكرية والنأي بها عن التجاذبات السياسية ، وعلى الرغم من ذلك فهو حاضر فى المشهد السياسى لأننا لم نغادر بعد المرحلة الانتقالية ، وسيبقى الشد والجذب فى هذا الاطار بين الجماعة والقوات المسلحة حتى تفرض الوقائع نفسها حدود كل منهما ومجال حركته فى المشهد السياسى وهذا لن يحدث إلا عندما يستقر المشهد السياسى المتفاعل والصاخب. رهان أمريكي الولاياتالمتحدة التى تراهن على الاخوان المسلمين وتدعمهم كانت محل انتقاد من الخبراء ، حيث يضيف خير الله، صحيح أن الجيش يدرك أنه فى حاجة الى الولاياتالمتحدة بسبب ما يتعلق بالظروف الدولية التى يعرفها الجميع والترتيبات والتنسيق المشترك فى التسليح، لكن فى النهاية ، يبدو لدى الكثيرين ومنهم فى الجيش ملاحظات على هذه السياسية ، فلماذا نسمع صوت أمريكا فى دعم الاخوان ؟ ولماذا لا تتخذ موقفا من أدائهم السياسي فى ملفات كثيرة، وأخرها ما شاب عملية الاستفتاء على الدستور من انتهاكات، على عكس ما كانت تروج له فى السنوات الاخيرة من حكم مبارك ؟ أعتقد أن على الولاياتالمتحدة أن تفهم الاخوان أن السياسية يجب أن تكون مشاركة لا مغالبة وأن الحاضر اليوم فى المشهد قد يكون هو الغائب عنه غدا، وتوقف سياسة الكيل بمكاييل عديدة وتتوقف عن رسائلها للجيش بعدم وضوح موقفه من السياسة الداخلية مقابل دعمها المبالغ فيه للاخوان.