قدر الكاتب أن يكون نبضًا لمجتمعه ومقياسًا دقيقًا لما يعتري هذا المجتمع من مشكلات، هذه المشكلات التي يشخّصها بمِداد قلمه بكل حيادية ذلك القلم الذي ينبغي أن يقف في مسافةٍ متساوية مع الجميع وأن يحرص على ثوابت الدين واللحمة الوطنية والوحدة المجتمعية بكل صدق وتجرّد وموضوعية. والقلم مسؤولية عظيمة، هذه المسؤولية التي يستشعرها الكاتب الكفء في كل حرفٍ يخطّه وفي كل كلمةٍ يسطرها، فللحروف مدى قد لا يتوقع الكاتب مقداره ومسافته، وللكلمة أثر قد لا يستشرف المثقف عُمقه وتأثيره. والكاتب بوصفه مؤسسة ثقافية قائمة بذاتها كان لا بد عليه أن يشخّص الواقع بشكلٍ صحيح مستلهمًا خبرته في النظر للأمور من مختلف الزوايا والاتجاهات مازجًا هذه الخبرة برؤيته القيّمة وبأسلوبه المميّز وبنكهته الخاصة الفريدة التي يشعر بها القارئ حين يتذوقها مع أول قضمةٍ معرفية. والكتابة ليست سلمًا للشهرة أو مصعدًا للبروز والتصدّر ذلك أنها تمدّ جذورها وتنمو وتثمر تحت مظلة مهنة المتاعب . ليس أسوأ على الكاتب من أن يبذل جهدًا فكريًا استثنائيًا ثم لا يجد لما يكتبه أي أثر لدى القارئ أو المسؤول، هنا يشعر الكاتب بأنه يغرّد خارج السرب وأن ما كتبه ما هو إلا كلمات وُضعت على الرف أو ورقات أقفل عليها في الدرج والشهرة قد يجدها مَن يبحث عنها في مجالاتٍ أخرى وفي مواقع أخف وطأة وأقل مشقةً وتكلفة، لكن هيهات أن يقتنع هؤلاء الذين ما دخلوا مجالًا إلا أفسدوه ولا ولجوا مكانًا إلا آذوا مَن فيه ودمّروه. ثمة أمر آخر من المهم الإشارة إليه وهو أن العدسة التي يرى منها الكاتب معضلات مجتمعه قد تختلف اختلافًا بيِّنًا، فبين عدسةٍ داكنة وبين عدسةٍ لا يُرى ما وراءها من كثرة الخدش، وبين عدسةٍ صافيةٍ نقيةٍ وبين عدسةٍ إلكترونية بالغة الدقة متصلة بجهاز حاسوبي يحلل البيانات في جزء من الثانية والعدسات حين يأتي ذِكرها هنا فهو للتأكيد على أن من السنن الكونية التفاوت والاختلاف وهذا أمر طبعي وليس عيبًا او انتقاصًا من فئة الكتاب فهم كغيرهم تشملهم هذه السنة التي يلحظها القارئ الحصيف بكل بساطة. ويبقى الكاتب في منطقة وسطى يتجاذبه أمران أولهما هموم مجتمعه وثانيهما الذاتية التي تبرز نرجسية الكاتب والأخيرة هذه تختلف ضعفًا وحِدةً من كاتب إلى آخر. لكن ما يؤرّق الكُتاب جميعًا هو الأثر الذي يمكن أن يُحدثه الحرف وتبلغه الكلمة فليس أسوأ على الكاتب من أن يبذل جهدًا فكريًا استثنائيًا ثم لا يجد لما يكتبه أي أثر لدى القارئ أو المسؤول، هنا يشعر الكاتب بأنه يغرّد خارج السرب وأن ما كتبه ما هو إلا كلمات وُضعت على الرف أو ورقات أقفل عليها في الدرج، كم من خيبات الأمل سيشعر بها الكاتب حين يصل إلى قناعةٍ في يوم ما أن ما يكتبه هو تنفيس ذاتي صِرف يصنّف على أنه ترف فكري لا يُقدّم ولا يؤخر في المشهد العام قيد أنملة؟!. هنا يتساءل الكاتب: هل يكسر قلمه ويتوقف أم يواصل طريقه رغم أنه يعي تمامًا أنه لا جدوى مما يكتب أو على الأقل أن التأثير لقلمه أقل من مستوى التطلعات بكثير. وحين يطالب القراء الكاتب بأن يواصل ويبذل، فهم يحمّلونه أكثر من استطاعته ويضعون على كاهله أكثر من طاقته، لكن عليه أن يستجيب ويستمر رغم كل المعوّقات فتراجع الكاتب أو توقفه يُصنّف من القراء أنه انسحاب غير مبرّر من أرض المواجهة وان توقف نزيف القلم هو كبت لمشاعرهم وتكميم لأفواههم، فلا يلبث إلا ان يلبّي نداء الجماهير وتصبح آمالهم وأمنياتهم ومطالبهم وقودًا يدفعه إلى العودة بقلم صارم على جواده الجامح فيكتب بنزيف دمه لا بحبر قلمه. twitter: @waleed968