خلافا لتوقعاته المُتفائلة فوجئ بالتقاعد وهو يرجو الترقية، كان في منتصف العقد الخامس حين تلقى الخبر وهو مُحتشد بحيوية ونشاط يؤهلانه للمزيد من العطاء، ودرجة علمية عالية، ودورات كثيرة، وخبرات متراكمة، كان من شأنها لولا صدور القرار (المشؤوم) أن توصله لغايته ! أحلامه المُتقدة ترمدت، آماله اللامحدودة انطفأت، أين يذهب، ماذا يفعل ليلملم كبرياءه المتحطم، كيف يداوي جراحه النازفة، كيف ينسى ما يحسبه استغناء المحسوبية الغادرة بكفاءته، وتميزه، وإيمانه بكونه الأفضل ؟! وهنا نظر فقدر واستطاع بقليل حياء وكثير تزلف، وتقبيل جباه وأنوف، أن يحظى بوظيفة متوسطة في شركة كبيرة، ولكن الوظيفة الجديدة لم تهبه وجاهة الوظيفة السابقة، فانقلب يندب حظه وجور الزمان، أحدهم أشفق عليه، فأوعز له أن أمثاله الأصلح لعضوية بعض الأعمال المرموقة، التي يُستعان بالمتقاعدين ليشغلوها، كأن يكون عضوا لجهة استشارية، أو مستشارا لجهة ما، ويضيف مُشيره: ولكن لابد لك من صرح لتبلغ الأسباب، فلما سأله صاحبنا عن السبيل الموصلة لذلك، قال: ما علمتُ لك من وسيلة أسرع من الصحافة، والمطلوب ليس أن تكون صحافيا، ولكن حسبك أن تكتب مقالة أسبوعية لتُرى من خلالها، وسوف تصل حتما ! أحلامه المُتقدة ترمدت، آماله اللامحدودة انطفأت، أين يذهب، ماذا يفعل ليلملم كبرياءه المتحطم، كيف يداوي جراحه النازفة، كيف ينسى ما يحسبه استغناء المحسوبية الغادرة بكفاءته، وتميزه، وإيمانه بكونه الأفضل ؟!قال: ولكني لم أجرب الكتابة من قبل، ومحاولاتي النادرة أشبه بحالات ولادة مُتعسرة سُرعان ما تنتهي بالإجهاض، فكيف أتزيا بعباءة الكُتاب ولستُ منهم، وهبني فعلت، من تُراه يقبلني وأهل الصنعة أدرى بأصحابها، أيوم شاب أخذوه للكُتاب؟! قال المشير: الناس يا صاحبي تحب (الجمايل) فالتمس الشُفعاء، وبالنسبة للكتابة اكتُب أي شيء، المهم لا تُسلم الورقة فارغة ! وبالفعل اقتنع صاحبنا فذهب إلى أسياده يُقبل أنوفهم وجباههم ليتصدقوا عليه بوجاهة تُيسر استكتابه في الصحيفة التي قدر أن باب السعد سيفتح من خلالها، ولم يخب ظنه إذ فعلوا، فدخل الصحيفة ممتشقا قلمه يكتب تحت ظلال صورة تصغره ب15 سنة، ولكنه كلما كتب لم يأتِ بشيء، حتى لكأنه يخط بالماء على الماء، سادرا بأحلام يقظة لا يود الإفاقة منها، ولا يود أن يفهم أن المسئولين الذين جعلتهم أقدارهم كُتابا ليست الكتابة هي التي جعلتهم مسئولين، ولكنه لا يدري ولا يريد أن يدري، فهل من قائل له: إن للتسلق فنونا، وإن القمم لا يبلغها إلا حُذّاق لا متحذلقون ؟! [email protected]