ما بين استمالة تداعيات الطفولة في زمن حرب الخليج، وما بين نبرة احتجاجية تجاه ما يحدث في المجتمع، يأتي صوت فيصل العامر في كتابه (شغب)، مرة بنبرة هامسة ومرة بنبرة حادة. لكنه في كلا الحالتين لا يفقد صوته، ويغمر تلك الاصوات الضاجة في داخله بعبارة سردية، فيها النضوج وفيها القدرة على التوصيف البصري للوحات الكتاب، وفي هذا الحوار نتعرف إلى رؤية المؤلف فيصل العامر في كتابه الأول "شغب": * عنوان كتابك يحمل مفردة "شغب" دلالة هذا العنوان هل تشير الى تلطيف الحالة النقدية الاجتماعية ام انه عنوان يشير الى حالة احتجاجية فقط؟ - حاولت ممارسة "الهتاف" من دون شعارات، وبلا أجندة، أن ارتكب "كتابة" ما، أعني: أن أرسم مسيرة حرف قلق يجوب ميدان الورق، لعله يسقط السائد/ التقليد، هي تفاصيل يمارسها كائن أحمر لا يعد بأشياء مدهشة.. أو أخرى تصقل المشهد.. ويبدو عاجزاً حين يحاول قرع الطبول، فالكائنات التي ترتدي الهمّليس لديها القدرة على الكذب كثيراً، ولا الهرب أيضاً، وبمناسبة الحديث عن "شغب" فإن أول ما خطه صديقنا الرقيب "الله يذكره بالخير" حين قدمت له مسودة العمل بنية فسحه هو أن طلب مني بكل تهذيب وبكلمات مقتضبة التالي: "العنوان ما يصلح، غيره"، أعتذر له هنا وللأقواس التي طوق بها العنوان بقلمه الرصاص، الوقت لم يساعدني لتنفيذ ما أمر به.. لكني أعده أن يحمل كتابي القادم عنواناً مسالماً.. الغلاف * في اللوحات الاولى في الكتاب نجد ذاكرة الطفل عندما تروي الاشياء فإنها تذهب الى التفاصيل الصغيرة المكتوبة بروح الفن.. لكن اللوحات الأخرى نجد فيها نبرة الصوت ترتفع وتأخذ شكل الصراخ . ما تفسيرك لهذا التباين ؟ - حين الأولى كنت أحاول جاهداً أن أخلع ذاكرتي المتخمة، أمسح على رؤوس الأشياء التي حدثت آنذاك حتى تستفيق.. أحرضها على العصيان المسلح بأدواتٍ لاتخدش أحداً، وبما يمكن أن يحمله طفلٌ لا ينشغل الزمن عليه.. ولا تشكل ملامحه الصغيرة شأناً يمكن التأمل به، كان أبيض مقترباً منّا.. لم يتعثر بالآتي/ بالموحل من الأيام، حين اللوحات اللاحقة انطفأت ذاكرة الرجل المسكون ب "النستالوجيا".. ترمدت تلك الحكايات التي نتقاسمها، نحو يقظة نتناولها.. بها من "الغلاسة" مايجعلها لا تنفك عن الابتسام بوجوهنا وإلقاء التحية كل صباح، ك "مدير" مللت من افتتاح يومك به، قبل أن تصرخ نحوه تلقائياً: "هل لك أن تذهب لموتٍ ما، أن تكوم نفسك وتلقيها من علٍ، أن تبتلع يدّك قبل أن تغصّ بها، تحاول تدارك الأمر بيدك الثانية فتعلق هي الأخرى، أن تفعل ما من شأنه أن يحجبك عني يارجل " ..! أعتقد أني حاولت ركل مجموعة هائلة من الغضب أتشاركه مع أصدقائي المواطنين للمقدمة.. لعل أحدهم يمر مصادفة ويرى بعضاً منه، ك معلمٍ يسر المارين. * أكثر ما لفت انتباهي في الكتاب هو ذاكرة الطفل التي تستعيد أحداث حرب الخليج، وذهبت الى تدوين تلك المرحلة من باب التقاط الطقوس المنسية في تلك الفترة، وهذه الرؤية بارعة في استعادة ذاكرة الحروب، وهي ايضا غائبة حتى على مستوى السرد لدينا، هل نعتبر تلك الذاكرة هي نواة لعمل سردي قادم؟ - لم أكن أحمل بندقية وأرتدي بزة داكنة حينذاك.. ربما لأن الأمر لايهمني، أو أني كنت أصغر مما يفعلونه، وأكبر مما علي فعله، أعتقدت مثلاً أن صواريخ "الباتريوت" ما هي إلا طائراتٍ ورقية لا تشبه تلك التي كنا نلعب بها، قبل أن أبرر ذلك بكونها للكبار فقط، وحين أنمو أكثر فإن على والدي أن يشتري لي لعبة تشبهها، علمت قبل زمن أن قيمة الطائرة تلك أغلى من قيمة ممتلكاتي كلها، وأن لا والد ممكناً لدي! المهم: سأحاول انطلاقاً من تحريضك الجميل يا صديقي أن أقوم بدفن شيء من تلك الطقوس لحين إعادة بعثها، وعلي أن أفعل ذلك بشكلٍ جيّد بحق الحنين للأيام الموغلة بذواتنا تلك. * لاحظت أن الكتاب تطغى عليه روح النقد المكرر لذات التيارات، وهو الخطاب الذي يتكرر في كل أطياف النقد التي تتعاطى مع التيار التقليدي، هل في تصورك ان هذه الرؤية تنقصها روح الابتكار؟ - تنقصها الشمولية، هي الثقافات الأحادية التي ترى بعين واحدة، ما أكتبه قد لا يكون استثناءً ما دمت مؤمنا بأن الكتابة هي صورة شاسعة لما يحدث، مع إيماني بأن معظم الجدل الدائر بين التيارات الفكرية "الفشنك" هنا هو مجرد لعبة سمجة أطرافها: أرجوزات، تجار كلام، موهومون، ومقتاتون على فتات ما يمكن أن تفرخه تلك المعارك من خبطات إعلامية ليس إلا ..! وكأن بالأمر حراك، والبلد "ماشي كويس"، لك أن تتخيل كيف ل "هواش الضراير" أن يسمى حراكاً، أو متى يكون الحوار حول بديهيات ك: متى - كيف - بأي صيغة نختلط مع كائنات مختلفة تشاركنا ذات الوطن، يطلق عليهم "النساء"، حواراً أولوياً لا ينبغي تجاوزه أو تهميشه، في حين تميع قضايا الشارع، والناس أيضاً. * الحس الساخر تقريبا هو الذي سيطر على روح الكتابة في كل لوحات الكتابة. كيف ترى مفهوم السخرية في الكتابة، وهل تتفق معي ان طغيان هذه الحالة تجلب ابتسامة القارئ اكثر ما تنتزع دهشته؟ - أن تكتب نصاً ساخراً يعني أن تتنفس برئة ثالثة، أن تسد بأصبعك ثقباً لا تستطيع الوصول له بشكل آخر، أو أن تحاول صنع فوهة باستخدام الوخز، ليس الأمر سلساً دائماً، الكتابة بهذا المنحنى الوعر تعني أن تخلق نصاً بأرجل من خشب وسط خطٍ عريض من اللهب، من النادر الخلاص من هذا الأمر دون طلقة "رقابية" طايشة تكاد تخلع حياة عملك، بالحديث عن الحالة تلك حين تجلب ابتسامة - دهشة القارىء، فأتفق معك لكني أهتم بأي عمل كتابي يصنع شيئاً بقارئه، قبل الحديث عنه من ناحية جمالية. * ما بعد كتاب شغب، ما خيار فيصل في الكتابة المقبلة، هل ستذهب الى الرواية مثلا؟ - سأنحاز لارتكاب نص ممتد، لا أعلم بأي حالٍ سيكون، لاسيما وأني كائن تجريبي، قد لا يفعل الأشياء بشكلٍ مرض، لكنه يفعلها وحسب، وعليك أن ترضى بالقدر وتحتسب أمر دقائقك التي سفكتها بقراءة ذلك الارتكاب لوجه الله.