سبعة أعوام مرت على الانهيار الكبير لسوق الأسهم الذي راح ضحيته كثير من المستثمرين وفقدت الشركات المدرجة قيمتها بصورة كارثية تهاوت معها السيولة من مستوى أكثر من 47 مليار ريال وبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية نحو 2 تريليون ريال، ولم ينج من ذلك إلا شركة "جرير" التي ظلت محتفظة بمستوى سهمها منذ ذلك الوقت وحتى الآن. في اليوم (25 فبراير) مرور 7 سنوات بلغ المؤشر مستوى 20967 نقطة، وذلك على أثر إقبال شديد على شراء الأسهم ودخول السوق من قبل جميع طبقات المجتمع ووصول أسعار الشركات ال 77 المدرجة آنذاك لمستويات سعرية عالية. وكان المعدل اليومي للتداول في الأسابيع الأخيرة من الطفرة قبل سبعة أعوام نحو 40 مليار ريال يوميا، وسجلت أعلى قيم تداولات آنذاك خلال جلسات 13 و14 و15 من شهر فبراير، حيث تجاوزت مستوى ال 46 مليار ريال، وكان أعلاها جلسة ال 14 فبراير 2006 بقيمة بلغت نحو 47.42 مليار ريال (ما يعادل قيم التداول على مدى أسبوعين حاليا)، وهي أعلى تداولات في تاريخ السوق السعودي، فيما كان أمراً عاديا أن تتجاوز الصفقات اليومية مستوى النصف مليون صفقة كدليل آخر على شعبية سوق الأسهم آنذاك. وظل سهم شركة "جرير" السهم الوحيد الذي استطاع تجاوز مستواه المسجل في 25 فبراير 2006، وذلك بفضل النمو القوي لأرباح الشركة خلال ال 7 سنوات الماضية، حيث يتم تداول السهم حاليا بأكثر من 58 بالمائة، مقارنة بسعر 25 فبراير 2006. وبالنسبة لأداء أسهم الشركات الكبيرة في السوق خلال الفترة فقد سجلت جميعها تراجعات بنسب متفاوتة، حيث تراجع سهم "سابك" بنسبة 62 بالمائة، وانخفض سهما "مصرف الراجحي" و"الاتصالات السعودية" بأكثر من 70 بالمائة ، فيما كان سهما "المراعي" و"سافكو" الأقل تراجعا بنسبة 9 بالمائة و11 بالمائة على التوالي. وفي قائمة الشركات الأكثر تراجعا مقارنة بما حققته قبل 7 أعوام، تصدرها سهم "عسير" بنحو 93 بالمائة، تلاه سهم "المتطورة" بنسبة 92 بالمائة، فسهم "أنعام القابضة" بنسبة 91 بالمائة، ثم "الباحة" و"القصيم الزراعية" بنسبة 89 بالمائة لكل منهما، في حين كان سهم شركة "أسمنت السعودية" الأقل انخفاضا خلال الفترة بنسبة 5 بالمائة مغلقا عند 96.50 ريال، تلاه سهم "المراعي" بنسبة 9 بالمائة مغلقا عند 65 ريالا. البو عينين : للانهيار الكارثي أسباب كثيرة ومنطقية وصف الخبير الاقتصادي فضل البو عينين انهيار العام 2006م بأنه كارثة اقتصادية قومية أصابت المواطنين، كشفت عن تدني مستوى الإدارة الاقتصادية التي لم تنجح في قراءة أزمة السوق قبل حدوثها، ولم تهبها القدر الكافي من الأهمية، ثم عجزت عن إدارتها والتعامل معها التعامل الأمثل ما ساعد في وقوع الكارثة الاقتصادية الكبرى في تاريخ البلاد. وقال البو عينين "أرجع البعض سبب الانهيار إلى أمور كثيرة منها وقف عدد من المضاربين وتخوف آخرين من عقوبات مشابهة، وإلى قرار تحديد نسبة التذبذب وإلغاء الكسور، ومنع إعادة عمولات المضاربين ، وهي أسباب تبدو ضعيفة مقارنة بسبب الانهيار الرئيس المتمثل في تضخم الأسعار الذي أسهمت الجهات الرقابية في حدوثه". وأضاف "في المقابل كان البعض يشير إلى وجود خطة إستراتيجية مسبقة للعودة بحجم السوق إلى مستويات معقولة، ومتناغمة مع حجم الناتج القومي. الحقيقة أن جميع التحركات الرسمية التي حدثت قبيل الانهيار الكبير كانت تشير إلى توجه هيئة السوق المالية نحو تطبيق خطة مقننة لفرملة السوق وكبح جماح المؤشر خصوصا بعد أن تعالت أصوات المحرضين، ولا أقول الناصحين، على أساس أن النصح كان يفترض أن يكون مرتبطا ببداية شذوذ المؤشر، وتضخم الأسعار، لا أن يرتبط بقمته !!!. للأسف الشديد، تجاهل الفريق الاقتصادي إشارات الخطر التي أطلقها الناصحون مع تجاوز المؤشر مستوى 10000 نقطة صعودا، وامتنعوا عن ممارسة دورهم الفاعل في تأمين القطاع المالي والنأي به عن الانهيارات، ثم ما لبثوا أن عادوا للتدخل العنيف وغير المحسوب، على مستوى 20600 نقطة، بعد (خراب مالطا)". وأشار البوعينين الى أن "هناك أسبابا كثيرة ومنطقية لا يمكن تجاهلها أو التقليل من قوة تأثيرها لما حدث، ولكني، ومع إيماني التام بها، أعتبرها أسبابا متراكمة نتجت عن سبب الانهيار الرئيس، وهو عدم نجاح الفريق الاقتصادي في المحافظة على معدلات نمو السوق ضمن حدودها المعقولة المرتبطة بنمو الاقتصاد العام، وهو ما أشرت له بوضوح في العام 2005 قبل كارثة الانهيار، وعدم استطاعته التعامل بحرفية، وفق خطط الطوارئ، مع أزمة الانهيار. باختصار شديد، أجزم بأن كارثة تضخم أسعار الشركات، والمؤشر كانت السبب الرئيس الكامن خلف كارثة الانهيار، ولولا الارتفاع الحاد لما حدث الانهيار". وأضاف "لا أظن أنني قادر على الإحاطة بالانهيار الكارثي، إلا أنه يمكن أن أقول ان من نتائج الانهيار المؤلمة خسارة الاقتصاد لأكثر من 2 تريليون ريال كان من الممكن استثمارها في قطاعات التنمية، فقدان الثقة بسوق المال، وتلاشي الطبقة الوسطى من المجتمع السعودي، وملامسة نسبة لا يستهان بها من الأسر والأفراد خط الفقر، تحمل أفراد المجتمع تبعات القروض البنكية ، تعطل أدوات التنمية الفردية، وتنمية المجتمع الذاتية، ارتفاع معدلات الجريمة، وظهور المشاكل الأخلاقية، وتشتت الأسر". العمري : الجهاز الاقتصادي استفاق فجأة من استرخاء لأكثر من عامين في تعليقه على تطور السوق منذ عام 2006م حتى العام الجاري قال الكاتب الاقتصادي عبد الحميد العمري : " فريق الجهاز الاقتصادي ممثلاً في وزارة المالية، مؤسسة النقد العربي السعودي، وزارة التجارة والصناعة، وزارة الاقتصاد والتخطيط، هيئة السوق المالية، كأنه من (استفاق) فجأةً في الربع الرابع من عام 2005م من حالة استرخاءٍ دامتْ أكثر من عامين مضيا، أكّدتها عدّة تصريحات رسمية صدرتْ في نهاية الربع الثالث من العام نفسه عن وزارة المالية ومؤسسة النقد بمتانة الاقتصاد الوطني، وخلو سوق الأصول فيه من أية مخاطر، وتحديداً من مخاطر تضخم الأسعار السوقية لأصوله المتداولة، صُعقتْ بعكسها تماماً عبر عدة تقارير صدرت في مطلع الربع الرابع من منظمات دولية أشارتْ إلى ارتفاع درجة المخاطرة في سوق الأسهم المحلية، خاصةً تقرير صندوق النقد الدولي ( مشاورات المادة الرابعة للاقتصاد السعودي لعام 2005م )، وتضمن توصياتٍ بضرورة اتخاذ عددٍ من الإجراءات العاجلة لمعالجة ومواجهة تلك المخاطر، زادتْ تلك المخاطر من شراستها لاحقاً مع مطلع 2006م عبر مزيدٍ من الارتفاعات بصورةٍ لافتة جداً في وتيرة التعاملات القائمة على أساس المضاربات العشوائية، دون النظر إلى أساسيات التحليل الاقتصادي والمالي للقطاعات وللشركات المساهمة المدرجة في السوق. كما زادت مستويات المخاطرة في السوق حالة الإفراط في منح القروض والتسهيلات من القطاع البنكي"، وأضاف العمري "أفضتْ تلك التطورات مجتمعةً إلى بدء مختلف تلك الأجهزة - كلٌ حسب مسؤولياته - بالتحرّك السريع نحو اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحدِّ من الارتفاعات الكبيرة والسريعة لمؤشر سوق الأسهم المحلية، وبناءً عليه قامتْ مؤسسة النقد العربي السعودي في نهاية 2005م بإصدار ضوابط جديدة تحكم فيها اتفاقيات التمويل الاستهلاكي الممنوح من قبل البنوك واتفاقيات الضمان ذات الصلة، بدأ سريان العمل بها مع مطلع 2006م، ورغم أنها كانتْ ضوابط جيدة، إلا أنها جاءتْ في وقتٍ متأخرٍ جداً، إذ نمتْ القروض الاستهلاكية خلال الفترة 2002- 2005 بأكثر من 370 بالمائة، حيث ارتفعت من نحو 38.4 مليار ريال في مطلع 2002م إلى أن وصلتْ بنهاية 2005م إلى نحو 180.9 مليار ريال، فيما وصل عدد المتعاملين في السوق إلى نحو 2.6 مليون متعامل وليس معلوماً كم نسبة من قام بالاقتراض منهم". ويستطرد : "رغم اتخاذ العديد من الإجراءات اللاحقة إلا أن السوق لم تلبث أن عادتْ إلى النزيف من جديد حتى وصلتْ خسائرها بحلول يوم الخميس 11 مايو 2006م إلى أكثر من 51.3 بالمائة، ليستقر المؤشر العام عند 10046.83 نقطة، كانت سوق الأسهم السعودية قد فقدتْ أكثر من نصف قيمتها في ظرف 61 يوم عمل". القصة والنتائج بدأ اهتمام السعوديين بسوق الأسهم نهاية عام 2002 وبداية عام 2003، مع طرح أسهم شركة الاتصالات السعودية، ومن ثم بدأت الدخول على سوق الأسهم في ظل الأرباح الكبيرة التي يحققها، وكان المجتمع الاستثماري السعودي لا يتجاوز ال «50» ألف مستثمر سعودي وكانت غالبيتهم من كبار السن، وأصحاب الخبرة في مجال الأعمال. 3 أعوام من الارتفاعات بدأت من 4.000 نقطة في 2003 وواصلت الصعود إلى أعلى المستويات بشكل مخيف، وسجل 20.000 نقطة في فبراير 2006، لكن المؤشر بعد وقت قصير وسريع فقد أكثر من 65 بالمائة من قيمته. في نهاية 2005م أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي ضوابط جديدة تحكم فيها اتفاقيات التمويل الاستهلاكي الممنوح من قبل البنوك واتفاقيات الضمان ذات الصلة، بدأ سريان العمل بها مع مطلع 2006م. نمتْ القروض الاستهلاكية خلال الفترة من 2002- 2005 بأكثر من 370 بالمائة، حيث ارتفعت من نحو 38.4 مليار ريال مطلع 2002م إلى أن وصلتْ بنهاية 2005م إلى نحو 180.9 مليار ريال، فيما وصل عدد المتعاملين في السوق إلى نحو 2.6 مليون متعامل. بتاريخ 23 فبراير 2006م صدر قرار هيئة السوق المالية رقم (1-141-2006) بتخفيض نسبة التذبذب اليومي في أسعار أسهم جميع الشركات المدرجة في السوق إلى 5 بالمائة بدلاً من 10 بالمائة، ابتداءً من يوم السبت الموافق 25 فبراير 2006م. فقدت أداء سوق الأسهم السعودية في ظرف 15 يوم عمل نحو ثُلث قيمتها (27.8 بالمائة). لم تلبث السوق إلا وقد عادتْ إلى النزيف من جديد حتى وصلتْ خسائرها بحلول يوم الخميس 11 مايو 2006م إلى أكثر من 51.3 بالمائة، وليستقر المؤشر العام عند 10046.83 نقطة. من الأسباب الرئيسة للانهيار : غياب هيئة حكومية مستقلة تعمل كصانع للسوق ومكونة مثلا من صندوق الاستثمارات العامة والتقاعد والتأمينات، فإذا ارتفع السوق بشكل غير متوازن دخل بائعًا وإذا انخفض المؤشر دخل مشتريًا، وبذلك يكون قادرًا على مواجهة السوق بسرعة وفعالية. ومن الأسباب أيضا التحليلات السطحية لكثير من محللي الأسهم من خلال التركيز على الوضع الاقتصادي السعودي الداخلي وعلى ارتفاع أسعار النفط وتجاهل وضعية الشركات الأساسية بما في ذلك المكررات الحالية والمستقبلية والقيمة الدفترية وصافي التدفقات النقدية المستقبلية للشركات سواء كانت قيادية أو مضاربة وأرباحا، هذه التحليلات - مع ضعف الثقافة الاستثمارية لدى المتعاملين - أدت إلى كثير من قرارات البيع والشراء بصورة عشوائية لعدم اهتمام المتداولين بعوائد الشركات والمؤشرات الأخرى.