وأنت تهم بالدخول إلى ورشته الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها خمسة أمتار مربعة، تشعر وكأنك في مصنع مصغر للصاغة، كما تحرص على قراءة بعض اللافتات والنصائح المعلقة في زوايا الورشة، مثل: "عفواً..اللي ماله شغل عندي ممنوع جلوسه في الدكان"، وغيرها من الحكم والأمثال. إنه الصائغ مبروك بكران باحشوان الذي يتخطى عامه ال ( 75 )، ولا يزال مصراً على مزاولة حرفة الصياغة، التي امتهنها منذ أكثر من 55 عاماً بعد أن تعلمها على يد والده. يبدأ باحشوان العمل في دكانه الساعة الثامنة صباحاً في همة ونشاط ولا يعود إلى منزله إلى عند الساعة العاشرة في عمل متواصل لا يقطعه إلا أداء الصلاة أو تناول وجبتي الغداء والعشاء في كثير من الأحيان داخل الورشة. أما في أوقات الفراغ وقلة الطلب على منتجاته فإنه يقوم بالعزف على أوتارعوده الذي لا يفارقه. وعن معاونيه أجاب مازحاً بأن صياغة الفضة ليست (مصارعة) وإنما هي فن، ولذا فهي من المهن التي لا تحتاج إلى معاونين كُثر رافضاً الاستعانة بالعمالة الأجنبية الذين استعان بهم غيره من الصاغة في السنوات الأخيرة بسبب تقدمهم في السن وانصراف أبنائهم إلى المهن المكتبية بعيداً عن الحرف التقليدية. إلا أنه استدرك بأن ابنه الأكبر عقيل كان يساعده في الصياغة قبل أكثر من 20 سنة، قبل أن يتفرغ لأعماله الخاصة، ومن بعده شقيقه عزيزالذي يمارس أعمال الصياغة بشكل مستقل في ورشته الخاصة. وعن أشهر الصاغة في سوق الربوع في أبها في ذلك الوقت ذكر منهم: عبدالله بن موسى وجمعان وسعيد الحضرمي، وعبيد حوره، وعلي ومحمد وحافظ آل بن موسى، والأشقاء جمعان وسعيد ومبروك باحشوان. مضيفاً أنه كان يجمعهم التعاون والإيثار. وعن المثل القائل "عدوك صاحب مهنتك" وهل يؤمن به، أجاب بأن هذا المثل لم يكن معترفاً به في السابق فالكل يعمل والرزق على الله. ويضيف باحشوان أن العائد المادي من صياغة الفضة كان جيدا والإقبال مستمرعليها في السابق أي قبل نحو أربعين عاماً خلت، وعلى الرغم من أن الدخل في السابق لم يكن يتجاوز300 ريال في الشهرالواحد إلا أن هذا المبلغ يعد كبيراً في ذلك الوقت بالمقارنة مع سعرالخروف الذي كان سعره 4 ريالات فقط.