في المقالات الأربعة السابقة تحدثنا عن خلق النقود وعلاقته بسعر صرف العملات وعن الريال وعلاقته بالدولار، وفي هذا المقال سنسلط الضوء على سلبيات وإيجابيات رفع سعر صرف الريال مقابل الدولار، من الناحية النظرية فإن الريال مقيّم بأقل من قيمته الحقيقية، فبعد ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة أصبح من الممكن أن يتم إعادة تقييم سعر صرف الريال أمام الدولار ورفعه بشكل كبير، وللوصول لأعلى قيمة ممكنة للريال أمام الدولار يمكننا استخدام الميزانية الحكومية التي تعتمد على دخل النفط وتشكل هذه الميزانية القاعدة الأساسية للحركة الاقتصادية في السعودية. فبسعر صرف 3.75 للريال أمام الدولار كانت إيرادات النفط لسنة 2012 حوالي 1,100 مليار ريال وكان معدل سعر النفط حوالي 100 دولار، بينما كان الفائض حوالي 380 مليار ريال، لو تم إعادة تقييم سعر صرف الريال بحيث يكون الفائض صفرا، فإن سعر صرف الريال أمام الدولار سيكون حوالي 2.6 ريال لكل دولار، وهو أقل بحوالي 30% من سعر الصرف الحالي. فماالذي سيحدث للاقتصاد لو تم تسعير الريال بهذه القيمة المرتفعة؟ وكيف سيتأثر المواطن والقطاع الخاص والحكومة، أول النتائج الإيجابية لرفع سعر صرف العملة هو انخفاض أسعار السلع المستوردة، وهو التأثير البديهي الذي يتم نقاشه في الصحف ووسائل الإعلام، والذي دفع بعض الاقتصاديين للمطالبة برفع سعر الصرف لتخفيف تأثير تضخم أسعار السلع، واذا تم تقييم الريال ب 2.6 ريال لكل دولار فإن كل سلعة مستوردة نشتريها الآن سينخفض سعرها بنسبة 30%، سيارة الكامري التي تباع ب 100 الف ريال سيكون سعرها 70 ألف ريال وهكذا في بقية السلع، التأثير الإيجابي الآخر – وقد ينظر له بشكل سلبي من جهة أخرى – هو انخفاض تكلفة العمالة الوافدة، فالعمالة الوافدة يهمها ما تحصل عليه من راتب بعد تقييمه بالدولار، لأنه على الأرجح سيقوم بتحويل جلّ راتبه لبلده الأصلي، فالوافد الذي كان يرفض القدوم للعمل في السعودية بأقل من 2000 ريال، قد يقبل القدوم بأقل من 1300 ريال، نفس الشيء ينطبق على العمالة المنزلية، مما يعني انخفاض تكاليف السلع والعمالة المنزلية على الأسر السعودية، وأخيرا فإن تكلفة السياحة الخارجية ستنخفض بنفس النسبة – 30% - وقد يعني ذلك أن عددا أكبر من الأسر يمكنها السفر للخارج للسياحة كما يمكن زيادة الإنفاق وإطالة مدة السفر. فماالذي سيحدث للاقتصاد لو تم تسعير الريال بهذه القيمة المرتفعة؟ وكيف سيتأثر المواطن والقطاع الخاص والحكومة، أول النتائج الإيجابية لرفع سعر صرف العملة هو انخفاض أسعار السلع المستوردة أما بالنسبة للجوانب السلبية لرفع سعر صرف الريال، فإن أبرز السلبيات هي صعوبة منافسة المنتج المحلي مع المنتج المستورد، لأن انخفاض أسعار السلع المستوردة بنسبة 30% قد يعني خسارة كثير – إن لم يكن غالب – من المصانع المحلية، لأن الانخفاض في أسعار السلع المستوردة قد يكون أكبر من الهوامش الربحية التي تمكّن الصناعات المحلية من البقاء، وهذا يعني أن قطاعا كبيرا من الصناعة سيغلق أبوابه، ومعها يخسر الآلاف وظائفهم، كما أن صناعات وطنية كثيرة كان يمكن أن تنشأ، لن تكون ذات جدوى وسيستحيل إقامتها، وهذا يتناقض مع أهم استراتيجية يجب أن نعمل عليها وهي تنويع الاقتصاد، خاصة من خلال تنمية القطاع المنتج والصناعي بالتحديد، السلبية الأخرى هي انخفاض رواتب العمالة الوافدة، ورغم أنها قد تبدو أمرا إيجابيا إلا أنها ستكون ذات تأثير مدمّر على فرص المواطنين الوظيفية وستزداد صعوبة توطين الوظائف بشكل كبير، لأن الفجوة بين راتب الموظف الوافد وبين الموظف السعودي ستزداد وستقلّ جاذبية توظيف المواطنين وسنعود للدوامة السابقة التي دفعت القطاع الخاص للإدمان على العمالة الرخيصة والابتعاد عن الاستثمارات التي ترفع انتاجية الموظف – بسبب انخفاض تكلفته، والتي أدت بالنهاية للتشوهات التي نعيشها اليوم في القطاع الخاص. أخيرا فإن رفع سعر الصرف سيؤدي مباشرة لانخفاض إيرادات الدولة بنفس نسبة ارتفاع سعر الصرف، فلو تغيّر سعر الصرف ل 2.6 ريال كما ذكرنا سابقا، فإن إيرادات الحكومة ستنخفض بنسبة 30%، وبناء على آخر ميزانية، سيعني ذلك أنه لن يكون هناك فوائض مالية للحكومة يمكن إدخارها واستخدامها لاحقا في حالة تعرض أسعار النفط لأي هبوط حاد. رفع سعر صرف العملة قد يبدو للوهلة الأولى وسيلة مثالية لتوزيع الثروة ورفع المستوى المعيشي للفقراء والأسر في الطبقة المتوسطة، ولكنه في الواقع ليس كذلك، فأكبر مستفيد من رفع سعر العملة هم الأكثر ثراء، فمن يملك مئات الملايين كان قبل رفع سعر العملة يشتري اليخت بعشرين مليون ريال، وبعد الرفع سيشتريه بثلاثة عشر مليون ريال، هذا الانخفاض بالتكلفة كان سيذهب كإيرادات حكومية، استغنت عنها الحكومة لترفع سعر الصرف واستفاد منه شخص يريد شراء يخت للترفيه، كما أن رفع سعر الصرف سيعيق النمو الاقتصادي وسيؤثر ذلك على خلق الفرص الوظيفية للمواطنين وبالتالي قد يرفع من نسب البطالة، وأكبر متضرر من ذلك الطبقات الأقل دخلا، رغم كل ذلك فإننا نجد للأسف كثيرا من الاقتصاديين يطالبون برفع سعر صرف العملة من أجل جني فوائد قصيرة المدى كانخفاض أسعار السلع المستوردة، ويتجاهلون الآثار المدمرة لهذا التعديل على المدى الطويل، وأهمها عدم إمكانية بناء اقتصادي منتج وصناعي يضمن نموا اقتصاديا مستداما، في المقال القادم سيكون الحديث عن إيجابيات وسلبيات خفض سعر صرف الريال مقابل الدولار. Twitter: @essamz