شعر الاخوانيات من فنون الشعر الطريفة التي شغلت الشعراء منذ العصر الجاهلي ولكن مع تقدم الزمن وظهور الاعلام الجديد وبروز قصيدة النثر أضحى هناك سؤال ملح : هل ما زال هذا اللون موجودا أم هل اختفى او تراجع قليلا .. أسئلة طرحناها على مجموعة من الشعراء فكانت هذه الاجابات .. عقود ماضية .. الشاعر احمد الغامدي يقول : اشتهرت إخوانيات الشعراء في عقود ماضية بين أدباء في أقطار مختلفة وفيها المواساة والألم والشكوى وفيها صورة اخرى عن واقع الحال وقد يعتريها في أحيان أخرى ما يسمى بشعر الموعظة الذي يكتبه البعض في شكل الإخوانيات التي نشأ منها هذا اللون في الأدب. بقي أن أقول ان شعر الإخوانيات لا يصلح في التعبير به إلا عبر القصيدة التقليدية ذات البحور والقوافي والأوزان المتعارف عليها والنص الحديث من تفعيل أو شعر حر أو ما يسمى بقصيدة النثر أو بعض الخواطر فأرى من وجهة نظر شخصية جداً أنها غير قادرة على الولوج أو الإمكانية الشعرية في تجربة الشعر الإخواني وهو مفهوم يتبين أن جوانبه الدينية في الأخوة أكثر تمازجاً وأكثر وضوحاً في التعبير وشرح الحال ، وربما يتردد السؤال هل أدبنا الحديث المعاصر يخلو من فقه اللغة في شعر الإخوانيات السؤال المطروح لم يجب عليه غير الشعراء وحاشية الأدب وتجربتي الشخصية التي صغتها في هذا الجانب لم تتبلور إلا من خلال القصيدة العمودية بينما عجز النص الحديث عن الدخول في صومعة الإخوانيات الظرف والفكاهة .. جبران بن سلمان بن جابر سحّار مؤسس مدرسة الميزان للنقد الأدبي يقول : قبل الحديث عن أدب الإخوانيات والتساؤلات التي تطرح حوله أذكر تعريفاً له بين يدي هذا المقال فأقول : فن الإخوانيات هو أن تدب روح الظرف والفكاهة بين شاعرين فيكتب شاعر قصيدة أو مقطوعة فيرد عليها صاحبه بشعر أيضا يعزز فيه قول صاحبه أو يفنده ! وقد يُلحَقُ به شعر الفكاهة عموماً وإن لم يكن حواراً بين شاعرين . وهو فنٌّ أدبيٌّ قديم قدم الأدب نفسه وقد تحدث عنه أرسطو في فني الشعر والخطابة وذكره هوراس في فن الشعر ! وفي العصر الجاهلي شاع فن الإخوانيات بسبب قدرته على تأجيج المشاعر وتبديد السأم وبخاصة في ليالي الشتاء الطويلة المملة فكانوا يعدون الإخوانيات ضربا من الملهاة ! ولكن التاريخ الأدبي الذي ذكرها لم ينقل إلينا من فن الاخوانيات نصوصا ذات بال ! وفي العصور الإسلامية (صدر الإسلام والأموي والعباسي والفاطمي والعثماني) دون باستفاضة كثير من أدب الاخوانيات ! وقد كانت له بوادر واضحة في العصر الجاهلي كالذي حصل بين عبيد بن الأبرص وامرىء القيس في وصف الخيل . وفي العصر الإسلامي الأموي كانت تتجلى بعض صوره فيما يسمى ب(شعر النقائض) . واستمر ينمو شيئاً فشيئاً إلى أن ظهر أمره وعلا شأوه في العصر الحديث . ولكن السؤال الذي أطرحه هنا : (هل انتهى أدب الإخوانيات أم لا يزال يلوح في الأفق؟) الجواب : ينبني على عرض النماذج والشواهد الدالة على المقصود .. والمطلع على الأدب بعمقٍ يظهر له تعدد النماذج التي تبعث على الأنس والارتياح . فالإخوانيات ضرب من اللغة الانفعالية سواء أكانت شعرا أو نثرا ! حالة مزاجية .. ويقول الشاعر ابراهيم زوليِ : ربما كان أدب الإخوانيات من الأنواع الملتبسة في أدبنا العربي, والعصيّة على التعريف ،يمزج هذا النوع الأجناس الأدبية من شعر ,ونثر, فتجد القصيدة ,والرسالة, والجدّ, والهزل . تجلّى هذا الجنس الأدبي في العصور المظلمة كما سميت في تاريخ الأدب. هو حالة مزاجية خاصة ,وتتحكّم فيها الحالة النفسية لكاتبها, الذي يدوّنها آنذاك ربما دون رغبة في نشرها ,حيث تبقى حبيسة الأدراج. قد تظهر في مرحلة زمنية لاحقة تكون قيمتها الأدبية عالية ؛ نسبة لسياقها وظرفها الاجتماعي الذي كتبت فيه. ولعل أشهر الاخوانيات هي ما تمّ من مراسلات كانت قمة في البوح والتجلّي بين ميّ زيادة ,وجبران خليل جبران حيث كان يقيم في أمريكا وهي في مصر. نعم كما قلت قد يتجلّى في هذه الكتابة اللغة الانفعالية التي تنأى كثيرا عن الهدوء ,والروية, والأناة. ولك أن تتخيّل أن تلك الرسائل المفعمة بالرومانسية بين جبران وميّ وهما لم يريا بعضهما. إذاً هو فنّ أدبي قد يضعف في حقبة ما, وقد يقوى في غيرها, لكنّه بعيد عن الانقراض مهما تراءى لنا. المشهد الشعري .. يقول الشاعر ناجي حرابة : شعر الاخوانيات فن معتق في خابية الأدب القديم، ظل يُعتصر عنقوده حتى عصرنا الحاضر، غير أنه في منأى عن واجهة المشهد الشعري الذي احتله الشعر الجاد المثقل بالرؤى وفكرة التجديد الأسلوبي، وهو فرصة أو نزهة يتخفف عبرها الشاعر من الحمولة اللغوية والفنية الزائدة، لينفتح على المواضيع الإنسانية الخاصة بين فكاهة وعتاب وعبث وتهنئة وغيرها، وهنا تحضرني تلك الاخوانية الفكاهية الجميلة بين الشاعرين ناجي الحرز وجاسم الصحيح، حيث هجا الحرز سيارة الصحيح بقوله : بين القنافذ والأفاعي *** والليل أسلمني اندفاعي فرد عليه الصحيح بقوله : الوعي تنكره طباعي *** من ذا رأى العنقود واعي