أرسلت إيران في الأيام الماضية قرداً للفضاء الخارجي ، في تجربة تحاول من خلالها أن تبرهن على قدرتها على تحدي الحصار المفروض عليها ، غير أن الصور التي نشرت بعد عودة القرد أظهرت تبايناً بين صور القرد بعد عودته من الفضاء و قبل طلوعه !! يحكي الأديب علي الطنطاوي في مذكراته عن إحدى رؤساء التحرير الذين عمل تحت أيديهم أيام شبابه كيف كان قادراً على اختلاق القصص والأحداث لدرجة أن رئيس التحرير ذلك وجد ذات مرة مساحة فارغة في الصحيفة لم يجد من الأخبار ما يملؤها به ،فاضطر بسرعة وقبيل إرسال الجريدة للطبع إلى صياغة خبر مطول ومتكامل من أفغانستان عن التوصل إلى اتفاق سلمي بين البريطانيين والأفغان في ذلك الوقت ، ويستفيض الطنطاوي في شرح المقدرة الهائلة لرئيس التحرير إلى كتابة جميع بنود وتفاصيل هذا الاتفاق وإظهارها بشكل حصري لصحيفته لا يدع مجالاً للشك للقارئ، مما دفع وكالات الأنباء العالمية إلى تناقل الخبر وبثه على أنه حقيقة مصدرها الصحيفة ومراسلها في أفغانستان !! فكان إشغال المخيلة كافياً لخلق خبر مكذوب يصدقه الآخرون بينما ما تمارسه وسائل الإعلام في الوقت الحالي القرد هو الشخص الوحيد القادر على إجابتنا إن كان قد طلع للفضاء أو لا ، وتظل في المقابل حقيقة لا تقبل التشكيك بأن إيران تواجه أزمة خانقة وتراجعاً رهيباً لصورتها في العالم العربي والإسلامي بسبب مواقفها المخزية في دعم النظام السوري . يختلف نسبة إلى التطور التقني الحاصل ، ومن تلك الأمثلة القريبة ما حدث قبيل سقوط حسني مبارك بأشهر معدودة حين نشرت إحدى أكبر الصحف الرسمية في مصر على صدر صفحتها الأولى صورة للرئيس المخلوع حسني مبارك وهو يتقدم رؤساء كل من أمريكا وفلسطين والأردن وإسرائيل ، غير أن الصورة الحقيقة التي اظهرتها وكالات أنباء أخرى أظهرت الرئيس حسني مبارك في المؤخرة يسحب رجليه سحباً للحاق بالرؤساء الأربعة ، فكانت كل ما تحتاجه تلك الصحيفة شخصا واحدا لديه مهارة بسيطة وإجادة لاستخدام برنامج الفوتوشوب لتزييف الصورة . قد تمارس الكثير من وسائل الإعلام التزييف والكذب بما فيها وسائل الإعلام في الدول الديمقراطية غير أن المطلع لحاجة الأنظمة المستبدة إلى تزييف الواقع أكبر بكثير بسبب سوء الأوضاع من ناحية ومن ناحية أخرى لعدم وجود قنوات إعلامية حرة قادرة على مراقبة الأخبار والتشكيك في مصداقية الكاذب منها ، وهو ما توافر في الوقت الحالي من ظهور وسائل إعلامية جديدة جعلت للمتلقي عيوناً يراقب بها ويتحقق من مصداقية كل خبر وكل صورة ، وهو ما يجعل الأنظمة ووسائل الإعلام المقتاتة على الكذب تواجه أزمة حقيقية . وعودة إلى موضوع القرد الإيراني وبعيداً عن الأهداف خلف هذا الخبر وبين المصدقين والمشككين للقصة ، يبقى القرد هو الشخص الوحيد القادر على إجابتنا إن كان قد طلع للفضاء أو لا ، وتظل في المقابل حقيقة لا تقبل التشكيك بأن إيران تواجه أزمة خانقة وتراجعاً رهيباً لصورتها في العالم العربي والإسلامي بسبب مواقفها المخزية في دعم النظام السوري . تويتر: @mashi9a7