أزمة مصر أربكت مواقف بعض السياسيين في العالم العربي تجاه دور الإعلام. بعضهم اتخذ موقفاً تعبوياً، غير مبرر، ضد نظام الرئيس حسني مبارك، ومارس شحن الشارع وتثويره، واستخدام صور ميدان التحرير في القاهرة وشعاراته للتحريض على النظام العربي برمته. وآخر وقع في حرج أخلاقي، فهو يستمع الى رأيين من حوله: الأول يقول له ان ليس من الحكمة التماهي مع الشارع المصري، والمساهمة في إحراج نظام يحاول تهدئة الأمور، ومنع انهيار البلد، فضلاً عن أن الانسياق وراء الصورة هو على نحوٍ ما، تدخل في الشأن الداخلي لمصر. والرأي الآخر يقول ان ليس من حق أي إعلام حجب المعلومات والصور، إضافة الى ان الإعلام الرسمي المصري استوعب حقيقة ما يحدث، وبات معترفاً بحشود المعتصمين ومطالبهم، وأصبح ينقل ما يجري، وإن فسره بالحد الأدنى، أو على هواه، وليس من الحكمة أن نكون اكثر تحفظاً من النظام المصري، وأضعف الإيمان نقل الخبر والصورة. لا شك في ان تجاهل ما تشهده مصر لم يعد ممكناً، هو ضرب من المستحيل في هذا الزمن، ناهيك عن ان ال «فايسبوك» وال «تويتر» لم يتركا مجالاً لطرح مثل هذا السؤال العبثي. ومن يتأمل شاشة «بي بي سي»، سيجد انها تنقل الحدث من الطرفين، سمحت بتدفق كل الصور والمعلومات والآراء، ولم تعطِ لرأيٍ مساحة على حساب الآخر، وهو دور قامت به قنوات إخبارية عربية، وعلى نحو اكثر قرباً وشمولية. لكن الفرق ان بعض الدول العربية ما زال يتعامل مع وسائل الإعلام الخاصة باعتبارها جزءاً من موقفه السياسي، وهو ليس مجبراً على تحمل هذه المسؤولية، إذ لديه وسائله الرسمية التي يستطيع توجيهها ويحاسب على موقفها. الأكيد ان أحداث مصر وضعت مواقف دول عربية من حرية تدفق المعلومات على المحك، فضلاً عن ان تزيين - إن شئت تزييف - المشهد لن يحمي النظام المصري من الانهيار، إذا استمر في التنازل بالقطّارة، وتجاهل خطورة ما يجري. المهم هنا، ان النتيجة الوحيدة للتدخل في حركة الإعلام، ومحاولة توجيهه، هي تشويه صورة القائمين عليه، والإفساح في المجال لاتهامات وتوقعات غير صحيحة. الإعلام اليوم بات مستعصياً التعامل معه بأساليب الماضي، ومن الحكمة القبول بالحد الأدنى لمكاسبه، عوضاً عن تحمّل خسائر مجانية، بسبب مواجهة محكوم عليها بالفشل سلفاً.