القاهرة على موعد بعد غد مع حدث ضخم هو الأبرز منذ انبثاق ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 المتمثل فى استضافة القمة الاسلامية العادية الثانية عشرة التى من المنتظر أن تشهد حضورا مكثفا لقادة وزعماء الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الاسلامي. وحول دلالات انعقاد هذه القمة بالقاهرة والملفات التى ستشكل محاور لجدول أعمالها وموقف التعاون الاسلامي من القضايا الراهنة سواء على الصعيد الاقليمى أو الدولي .. حاورت « اليوم» الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي الأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامي وتاليا نص الحوار : الأولى في مصر ما دلالات انعقاد القمة فى مصر بعد عامين من نجاح ثورة يناير التى أعلنت تأييدك لها وللنتائج المترتبة عليها ؟ هذه القمة تعد الأولى التي تعقد في مصر منذ إنشائها عام 1969م. كما أنها تأتي بعد ثورة 25 يناير وما أحدثته من تغيرات في الرؤى المصرية لعلاقاتها الخارجية، ومما لا شك فيه أن هذا يعتبر من العناصر الإيجابية ولمصلحة تحقيق أهداف المنظمة ومصالح دولها، وفيما يتعلق بالوضع في مصر، فقد أيدنا خيار الشعب المصري في كل خطوة ديمقراطية يخطوها، ووفق خياراته، التي عبّرت عنها صناديق الاقتراع، وما تشهده مصر حراك ديمقراطي طبيعي، نأمل في أن يواصل تطوره الإيجابي في خدمة مصر وشعبها، والارتقاء بها إلى مصاف الدول المتقدمة، ويعيد لها مكانتها التاريخية، التي نعرفها جميعا ونتطلع إلى عودتها. وسوف تبحث القمة، جملة من القضايا الهامة التي تحتاج إلى موقف إسلامي موحد، وقد يكون أبرزها القضية الفلسطينية وبخاصة مسألة تهويد القدس الشريف، والاستيطان. كما ستبحث قضايا هامة مثل ملف مسلمي الروهينغيا في ميانمار، ومسألة ما يعرف بالإسلاموفوبيا. اختراق مأمول هل يمكن أن تقوم قمة القاهرة الاسلامية بتحقيق اختراق على صعيد دفع العمل الاسلامي المشترك ؟ أعتقد أن الحاجة باتت ملحة للقيام بتحركات نوعية وغير تقليدية، تخرج عن المألوف والتكرار، وهذا كان هدفنا في التحضير للقمة، وبالتعاون والتنسيق مع الجانب المصري، أعتقد أننا نجحنا في مرحلة الإعداد لوضع آلية أكثر نجاعة وعملية في إصدار قرارات عملية. في الحقيقة، حرصت على تجاوز القرارات النظرية التي لا تطبق، وحاولت - قدر المستطاع - الحد من عددها الكبير، والعمل مع الدول الأعضاء لتقنينها وتوجيهها إلى رزمة من القرارات العملية التي يمكن تطبيقها، وأعترف بأنها عملية بطيئة، واستهلكت من الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي وقتا طويلا لتحقيق التقدم المطلوب فيها، إذ كانت القرارات الصادرة بالمئات، واليوم أضحت قرارات القمم الإسلامية محددة وتستقي قوتها من إجماع الدول الأعضاء، وتستهدف قضايا ملحة وأساسية، وأعتقد أن قمة القاهرة، سوف تكون قمة مختلفة بكل المقاييس، ليس لعناصر الأهمية التي أوردتها في إجاباتي السابقة فحسب، بل للقرارات التي سوف تصدر عنها وبخاصة في مسألة الاستيطان، وتوحيد صف الدول الأعضاء في مواقف موحدة لدعم وتأييد الحق الفلسطيني في إنشاء دولته، والخروج بجملة من القرارات الهامة على صعيد الملفات التي تبحثها، واسمح لي هنا أن أتوجه بالشكر للحكومة المصرية على تعاونها، وتفانيها في إعداد قمة ناجحة نأمل في أن تلبي تطلعات ورغبات الشعوب الإسلامية. قضايا جوهرية ما أبرز القضايا التى ستبحثها القمة وسيكون لها مردود مباشر على المواطن فى الدول الاسلامية بعيدا عن القضايا السياسية ؟ حرصت منذ عام 2005، على أن تكون التنمية البشرية إحدى أهم الركائز في عمل المنظمة، بدءا ببرنامج العمل العشري، الذي أقرته قمة مكة الاستثنائية، وأعتقد أن هذا الهدف يقف على ركيزتين أساسيتين، تتمحور الأولى في تعزيز التجارة البينية بين الدول الأعضاء، التي ارتفعت من 14بالمائة منذ عام 2004، إلى ما يقارب ال «18» بالمائة في عام 2011، ومن شأن هذه الزيادة أن تنعكس على المستوى المعيشي لشعوب العالم الإسلامي. أما النقطة التي لا تقل عنها أهمية، وأخذت مني جهدا كبيرا للقيام بها، فهي الجهود التي بذلتها المنظمة في هذه السنوات الثماني من أجل رفع نسبة البحوث العلمية من الدخل الوطني للدول الأعضاء إلى 1بالمائة، ودعني أكشف - ولأول مرة - عن أن القمة سوف تشهد الإعلان عن التقرير المصري في إطار أطلس الابتكارات العلمية الذي يضم عشرة دول أعضاء. القيمة المضافة في ضوء ذلك كيف تقرأ أهمية القمة فى ظل الظروف الراهنة اقليميا ودوليا وما القيمة المضافة التى ستشكلها فى مسيرة العمل الاسلامي المشترك ؟ لاشك في أن انعقاد القمة في هذا الظرف الحساس من تاريخ أمتنا الإسلامية، فى ظل حالة انعدام الاستقرار والأمن في أكثر من دولة عضو، مثل ما يحدث الآن في سوريا، ومالي، والتوتر الذي يشهده أكثر من دولة عضو، يمنحها الأهمية التي توكل للقمم الطارئة، والاستثنائية، فهذه القمة - وإن كانت عادية - يفترض أنها تنعقد بوتيرة دورية، إلا أنها تتسم بطبيعة القمم الطارئة لفداحة الأوضاع التي تعالجها، ولاحتدامها، وسوف تبحث القمة، جملة من القضايا الهامة التي تحتاج إلى موقف إسلامي موحد، وقد يكون أبرزها القضية الفلسطينية وبخاصة مسألة تهويد القدس الشريف، والاستيطان. كما ستبحث قضايا هامة مثل ملف مسلمي الروهينغيا في ميانمار، ومسألة ما يعرف بالإسلاموفوبيا، أو الخوف من الإسلام، وقضايا اقتصادية وثقافية واجتماعية عديدة. نزيف الدم في سوريا الأزمة السورية مازالت تراوح مكانها ونزيف الدماء مستمر دون حراك حقيقى لوقفه فهل ثمة مبادرة قد تقدم عليها القمة للإسهام فى ذلك وكيف تقيم ما يوصف بالحل السياسي؟ أعتقد أن الحل السياسي يظل الخيار الوحيد المطروح على الساحة، مهما احتدمت الأوضاع الأمنية في سوريا، وهو المخرج الوحيد للأزمة، والبدائل ستكون مرعبة ولها تأثيرات سلبية على المنطقة برمتها. للأسف لم يتسن لنا القيام بدورنا بالصورة اللازمة بسبب سياسة الأبواب المغلقة التي يفرضها النظام هناك. باختصار أود أن أؤكد على أن المنظمة استنفدت كل أدواتها في جهودها لإيجاد حل للمشكلة السورية.. وأعني بأدواتها: الصلاحيات الممنوحة لها في هذا الصدد، وأعتقد أن المسألة السورية - منذ اليوم الأول - باتت تتمحور حول (إجماع دولي على ما لا يجب عمله في سوريا في مقابل غياب الإجماع اللازم على ما يجب عمله هناك). وجع فلسطين بالنسبة للقضية الفلسطينية.. هل يقدم قادة الدول الاسلامية فى قمة القاهرة جديدا ؟ المسألة الفلسطينية على رأس أولويات المنظمة، والقمة التي تتخذ من (التحديات المستقبلية والفرص المتنامية) عنوانا لها، سوف تركز مناصفة مع هذا العنوان على قضية الاستيطان الإسرائيلي، وسوف يتم العمل على اتخاذ موقف واضح وعملي إزاء هذه المسألة التي تضع عقبات كبرى أمام حلم الدولة الفلسطينية. مسألة مالي ظهرت الى الوجود مسألة ربط الارهاب بالاسلام فى ضوء أحداث مالي الأخيرة وفى رأيك لماذا فشل المسلمون فى فك هذا الارتباط؟ ولماذا تتصاعد موجات التطرف فى العالم الاسلامي ؟ أود أن أذكر لك أنه منذ اليوم الأول الذي تسلمت فيه المنصب بالمنظمة في أوائل 2005 الفائت، قمت باتخاذ إجراءات في هذا الصدد، عندما دعوت الأممالمتحدة إلى اعتماد قرار يحظر ربط الإرهاب بالإسلام، أو أية ديانة أخرى، كوسيلة للقضاء على الأثر السلبي لظاهرة كراهية الإسلام أو الإسلاموفوبيا. الإرهاب مجرد نتاج للتطرف والفكر المتعصب الرافض للآخر، الذي - في رأيي - يفتقر إلى الثقة في النفس، ويتجه نحو حلول تدميرية لتحقيق أهداف عشوائية، تعود بالوبال والكوارث على الشعوب الإسلامية، وأؤكد لك هنا أن معالجة قضية التطرف والقضاء عليها - كظاهرة - يعد من أولويات المنظمة، التي انتهجت - منذ عام 2005- سياسة الاعتدال، وتبني القيم المعاصرة التي لا تتناقض مع قيم الإسلام السمحاء. طوال سنواتي الماضية، أسعى إلى تأكيد هذه المبادئ، وأعتقد أن الصورة اليوم اختلفت لدى الغرب، الذي أصبح لديه شريك في العالم الإسلامي قادر يحاوره ويتفاوض معه، وتتبين من خلاله الصورة الحقيقية للمسلمين، وفي الواقع أعتقد أنه لا انفصام بين مسألة التطرف، وظاهرة الإسلاموفوبيا، فكلتا المسألتين (التطرف في العالم الإسلامي) وظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب نشأتا كنتيجة حتمية لفكر متطرف لدى فئة محدودة جدا في الجانبين، ومع أن المخاض العسكري - الذي تشهده مالي - ينطلق من عوامل عديدة ومختلفة مثل الفقر، وتردي الأوضاع المعيشية، التي أدت إلى ضعف الحكومة المركزية، وتغوّل الحركات الإرهابية المتطرفة، وبالتالي تهديد أمن الدولة، وتعريضها لخطر الانقسام، إلا أن الفكر المتطرف بصورته العامة نشأ في حالة من إساءة فهم الإسلام، واستغلال الخلاف في تبرير عمليات إرهابية لا تتصل بقيمه، أو تعاليمه، وأعتقد أن القضاء على التطرف يأتي بداية من إيجاد الحلول السياسية، التي تبنى على الحوار، ومن ثم المضي في مرحلة من إعادة الإعمار، والتنمية، لوضع أساس قوي للدولة، حين ذاك لن تجد هذه الفئات مجالا للعيش أو ترويج أفكارها. أما فكرة ربط الإرهاب بالإسلام، فهي مسألة معقدة تتصل بظاهرة أخرى، لها جذورها الفكرية التي نمت كذلك في ظل انعدام فهم الآخر.. نحن حريصون في المنظمة، على جسر هذه الهوة.