من الطبيعي أن ينتج عن الاتصال الانساني بين الأمم والشعوب صور انطباعية تبقى في الذاكرة الانسانية حول العادات والتقاليد والممارسات وأوجه السلوك بجوانبها الايجابية والسلبية. وخلال العقود الماضية شهدت المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج العربية إجمالاً هجرة بشرية فرضتها مقتضيات النمو الاقتصادي والاجتماعي والحاجة إلى أيد عاملة تسد جزءا من النقص البشري والمعرفي التقني إلى حدٍ ما. نحن نتحمل جزءا من هذه النظرة السلبية من الآخر تجاهنا، ولو أننا قدمنا انفسنا وموروثنا القيمي والثقافي كما ينبغي فلن نجد أحدا ممن قدر له العيش بيننا يقذف بحجر في آبار مياهنا التي شرب منها، ولا في آبار نفطنا التي حققت له كثيرا من أحلامه. ومن المؤكد أن المؤشرات الاحصائية ستخبرنا بأن هجرة العمالة القادمة إلينا من الدول الآسيوية تشكل الجزء الأغلب، وبالطبع هناك من قدم للعمل في دول الخليج العربية من الاخوة والاشقاء العرب ومن الدول الأوروبية الصديقة ومن باقي دول العالم، هذه السلوكيات الاتصالية الانسانية أفرزت فيما أفرزت صورا وآراء وانطباعات عن المملكة العربية السعودية ودول المنطقة الخليجية، تجاوزت الذهني والرمزي إلى الانتاج الأدبي والثقافي المعرفي الذي قد يكون يوماً ما شهادة تاريخية ذات أبعاد ودلالات رمزية حول طبيعتنا الاقتصادية الاجتماعية والثقافية. من ذلك ما صدر في أواخر العام 2012م في الهند وبإحدى اللغات المحلية الهندية على شكل عمل روائي بعنوان «أيام الماعز» لروائي هندي يدعى بني دانيل عاش في منطقة الخليج العربي منذ عقدين من الزمان، ولقي هذا العمل في بلده ولغته الاصلية اهتماما ملحوظا كونه يسجل صفحات من حياة ملايين من العمال الهنود ومن أبناء مقاطعة كيرلا تحديداً في منطقة الخليج، ويعكس ذلك الاهتمام سرعة ترجمة الرواية إلى اللغة الانجليزية والتعليق عليها كنموذج للأدب الهندي الذي يرصد حركة الهجرة من جنوب آسيا إلى بلدان منطقة الخليج العربي. ومختصر الرواية أن عاملاً هنديا يدعى نجيب باع كل ما يملك في الهند وجاء إلى الرياض ليعمل ثلاث سنوات في مزرعة لتربية الماعز، وبمجموعة من المغامرات وتخطي العقبات مرارا بالحظ على الطريقة الهندية ومرارا اخرى بمساعدة من العمال الاجانب الآخرين استطاع العودة إلى بلاده. وأياً كان رأي المؤسسات الثقافية والجامعات الهندية والعالمية التي أشادت بالعمل يبقى لنا في المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج العربي رأي في الموضوع لأن كثيرا من الأسس التي يقوم عليها مجتمعنا محل تعريض، وانتقاد. وأبرز ملاحظاتي العامة وأنا غير المختص بهذا الشأن أن هذا العمل ولج إلى المجتمع والحياة السعودية من نافذة «النفط» وهذه الاشارة يلتمسها من له اطلاع ببعض ما كتب عن المملكة ومنطقة الخليج من روايات أو أعمال أدبية، والقراءة المحتملة لهذه الملاحظة أنه لولا ظهور النفط في هذه الارض لما جاء أحد إليها، أو أن هذه الثروة الباطنية زادت انسان هذا المكان قسوة ووحشية! وتتحدث الرواية بإسهاب عن رموز العبودية في أرض النفط، كعدم الحق للعامل في اصطحاب اسرته إلى مقر عمله، علاوة على تدني مستويات الاجور، وأن ظروف العمل غاية في السوء، مع احتجاز الحرية الرمزية للعامل بإخفاء أوراقه الثبوتية وجواز سفره، والاشارة إلى غياب شبه فعلي لقوانين العمل على أرض الواقع. واقول لنفسي ولمجتمعي اننا في المملكة وفي منطقة الخليج لسنا مجتمع ملائكة، ونحن نتحمل جزءا من هذه النظرة السلبية من الآخر تجاهنا، ولو أننا قدمنا انفسنا وموروثنا القيمي والثقافي كما ينبغي فلن نجد أحدا ممن قدر له العيش بيننا يقذف بحجر في آبار مياهنا التي شرب منها، ولا في آبار نفطنا التي حققت له كثيرا من أحلامه. تويتر: @salemalyami