في محاورة متخصص في الدراسات السردية والثقافية بحجم اسم الدكتور عبدالله إبراهيم سيكون هناك مأزق السؤال ، فالأسئلة تظل قاصرة عن الإلمام بأهم ملامح الظاهرة السردية العربية .ومع هذا حاولت أن اقترب في محاورته إلى بعض من الوقفات التي تلفت الراصد لمسيرة الرواية العربية . فطرح الكثير من التأملات العميقة التي يحتاجها السارد والناقد والباحث أيضا. وفي هذا الحوار لثقافة اليوم نرصد رؤى الناقد الدكتور عبدالله إبراهيم تجاه الكتابة السردية الطموحة التي تخطت الظاهرة الشعرية بحسب رأي الدكتور لأنها نجحت في تمثيل العالم . * في البداية أسالك وكرؤية عامة عن واقع الرواية العربية الآن، كيف تراها؟ وهل تجد أنها رواية مضامين اجتماعية في تصورك أم ترى أن الجانب الفني هو هاجس الروائي العربي؟ باختصار كيف تقرأ المشهد الراهن للرواية العربية؟ - ليس ينبغي على الناقد تقديم أحكام قاطعة بشأن الظواهر الأدبية الكبيرة، إنما ينبغي عليه أن يقدم وصفا وتحليلا معمقين يقومان على كشف حيثيات الظاهرة الأدبية، وقد توسعت الظاهرة السردية العربية الحديثة في طموحها، فتخطّت الظاهرة الشعرية، لأنها نجحت في تمثيل العالم الذي ظهرت فيه، فيما انتبذت الظاهرة الشعرية لنفسها موقع التأمل، وربما الاستشراف، وليس الانخراط العميق في معمعة المشكلات الدينية والاجتماعية والسياسية للمجتمع العربي، وكل نظرة نقدية فاحصة لهذه الظاهرة سوف تتخطى القضية الزائفة التي طرحها النقد، وهي ثنائية المضامين والأشكال الفنية، فتلك مقولة نقدية فاسدة جرى تداولها بسبب سيادة الثنائيات الضدية في النقد خلال القرن العشرين، وفي ضوئها حدث تمزيق لمفهوم الخطاب السردي، والحال هذه، فالرواية العربية تعيش حالا من المدّ والجزر، ولم يتراكم تراث سردي يمنع التردّي فيها، ونرى مدّها في كثير من الجهود الفردية التي دفعت الرواية لتمثيل ظواهر اجتماعية على غاية من الأهمية، ولكننا نرى أيضا جزرها في سيل من نصوص رديئة تتزاحم دون أن تكتسب شرعيتها في التركيب السردي، وفي اللغة، وفي الخيال، وفي قوة التمثيل للعالم الافتراضي الذي تقوم باختلاقه، فتتحول إلى نصوص هزيلة تفتقر إلى المعايير الأساسية في الكتابة الأدبية، ولكن النصوص الممثلة لحالة المدّ تتوفر فيها معايير رفيعة في الكتابة، وفي طريقة المعالجة السردية، وفي بناء العناصر الفنية، وفي التحبيك السردي، وفي اللغة، وفي مراعاة كافة شروط الكتابة المسؤولة، وهذه الأعمال هي التي سوف تندرج في تاريخ الأدب القومي، أما سواها فسوف تدفع خارج ذلك التاريخ، ولن يفيدها نفوذ أصحابها، أو ثرواتهم، أو علاقاتهم الشخصية، أو تقربهم، وتوددهم للإعلام الدعائي مدفوع الثمن، وبالإجمال فالذائقة العامة هي التي تقوم بتصفية الآثار الأدبية المجيدة، وتستبعد كل مالا يتوفر على المعايير الصحيحة في الكتابة، وأجد أن الراوية العربية في سبيلها لترسيخ تلك المعايير بمرور الوقت. * هناك روائيون وروائيات قدّموا النصوص المتعالية، النصوص التي تتجاوز تقديم الحكاية التقليدية. وكنموذج لتلك الروايات رواية "دابادا" لحسن مطلك. مثل هذه الروايات تثير إشكالات على مستوى القراءة , هل ترى أن مثل هذه التجارب يمكن أن تجد صداها لدى القارئ أم أنها في تصورك ليست أكثر من تجارب إبداعية يستلذ بها مؤلفها وقد يتباهى بها الناقد؟ - فيما يخص الكتابة السردية ينبغي التفريق بين مستويين، مستوى كتابة جادة تقترح تقنيات كفؤة للتعبير عمل تريد، بما في ذلك اعتماد أبنية سردية جديدة، ولغة رفيعة. ومستوى يدّعي التجريب لكنه لا ينهض على وعي بالكتابة، وشروطها، ووظيفتها التمثيلية، وهذا المستويان موجودان في الكتابة الروائية العربية الحديثة، ولا أراني أوافقك القول بأن الأعمال التي تندرج ضمن المستوى الأول يمكن أن توصف بالنصوص المتعالية، ففي السرد لا يوجد مرجع تتعالى عليه الكتابة، إنما نحن أمام ظاهرة أخرى، وهي كتابة عاجزة عن التعبير عن مقاصدها فتسقط في الغموض والالتواء والعجز، فتحتال على قارئها بادعاءات التجريب، والمغايرة، والغرابة، وكتابة تتفتح بأسلوبها على كافة احتمالات التعبير، فلا تصاب بالعجز، ولكنني أوافقك الرأي بأن بعض الكتاب يتوهمون أنهم فتحوا الأبواب المغلقة للكتابة، وقد يجاريهم بعض كتبة النقد في ذلك، ولكنها محض ادعاءات وأوهام لا تصمد أمام أية قراءة تحليلية لتلك النصوص، وأسباب الالتواء والغموض كثيرة، ولكن في مقدمتها عدم وعي الكاتب بشروط الكتابة، وعدم فهم وظيفتها، والغموض يختلف عن التكثيف، والترميز، والتلميح، فتلك من المزايا التي تحتاج إليها الكتابة السردية لأنها إبحار في منطقة الاحتمالات. ولا يراد منها تقرير الوقائع والحقائق، فكل وقائعها وحقائقها تبنى بهوية سردية. وكل ما يخالف ذلك من كتابة سيجد نفسه خارج تاريخ الأدب في يوم ما. * مرة سمعتك تقول بأن الدراسات عن الرواية النسائية لم تقدم إضافة حقيقية، فما يكتب في تلك الدراسات مكرر ومتشابه. من أي زاوية يجب النظر للرواية النسائية في تصورك حتى يقدم الناقد العربي رؤية مبتكرة عنها؟. نجيب محفوظ - يعد النقد النسوي أحد المعالم التي أفرزتها الحركة النسوية حول جسد المرأة، وهويتها الأنثوية، وموقعها الاجتماعي، وهدفه تأكيد خصوصية الأدب النسوي باعتباره تمثيلا لعالم المرأة، وهي خصوصية تستمدُّ شرعيتها من خصوصية النوع الإنساني للمرأة، ومن التنميط الثقافي لها، ومن طبيعة جسدها؛ فالمرأة تنتظم في علاقات ثقافية ونفسية مع العالم من جهة ومع ذاتها من جهة أخرى، فقد اختزلت المرأة إلى مكوّن هامشي، وصار جسدها موضوعاً لتنازع ديني واجتماعي واقتصادي وثقافي. ويتطلع النقد النسوي إلى استكشاف الكيفية التي يقوم بها السرد النسوي في تمثيل عالم المرأة جسديا، وثقافيا، ونفسيا، وتأكيد الخصوصيات الدقيقة للمرأة وللأدب الذي يقوم بتمثيل عالمها، سواء أكان عالما داخليا يتصل برؤيتها لذاتها أم كان عالما خارجيا مرتبطا بمنظورها للعالم. وفي جميع الأحوال ينبغي إفراغ شُحَن الغلواء الأيديولوجية حول الجسد الأنثوي، إذ تحاول بعض اتجاهات النقد النسوي تثبيتها، وتأصيلها، وتأكيدها، وتحليل أسباب التمركز حول الذكورة، فلكي نتوفر على نقد قادر على كشف طبيعة الأدب النسوي، فينبغي الإفادة من معطيات التحليل اللساني، والسيميائي، والتأويلي، واعتماد رؤية نقدية تهدف إلى تحليل الأنظمة الأسلوبية، والبنائية، والدلالية لأدب المرأة، وعدم نقل قضية النقد إلى ميدان آخر يقوم على المخاصمة، والمنازعة، والمساجلة بين المرأة والرجل، ثمّ وهذا هو المهم، توفير أرضية ملائمة لأن تتراجع النظرة الإقصائية للمرأة، وإشاعة لغة تتحاور فيها مفاهيم الشراكة بدل التغليب. وليس استناداً إلى الإكراه والمصادرة والاختزال. وينبغي الاعتراف بأن الظاهرة السردية النسوية جديدة في الأدب العربي، وهذا يقتضي معالجة جديدة لها أيضا، فليس من الصحيح استيعابها ضمن شروط النقد التقليدي إنما هي تقترح ضربا جديدا من المعالجة النقدية يستفيد من الدراسات الثقافية والنفسية والاجتماعية. * عندما اقرأ للروائيات العربيات أجد أن رؤيتهن تكاد تكون متشابهة وأن صورة الرجل في نصوصهن الروائية صورة منمطة. كذلك، فإن تقديم نماذجهن النسائية تأتي من خلال صياغة حالة مظلومية مكررة، فالروائية اللبنانية والعراقية والمصرية تتساوى في تقديم الهم النسائي مع الروائية الخليجية، وهذا التصور يقودني إلى سؤالك: ألم تلعب الفوارق الاجتماعية والحياتية بين الدول العربية دوراً في تقديم كتابة نسائية مغايرة بين الروائيات العربيات؟ - هذا استنتاج صائب، أوافقك عليه بشكل عام، ويعود ذلك إلى أمرين، أولهما عدم وجود اختلافات جوهرية في المشاكل التي تعيشه المرأة العربية، فالاختلاف إن وجد هو في درجة المشكلة وليس في نوعها، وفي مقدمتها عدم الاعتراف بالأنوثة إلا بوصفها موضوعا للإغراء، وهيمنة الأبوية الذكورية، وكبح التطلعات النسوية، وحجب المرأة عن ميدان الفعل العام، أو إعاقتها بدواع اجتماعية أو دينية، ناهيك عن الدور النمطي للمرأة في المجتمع، فهذه مشتركات عامة تخيم على عالم المرأة العربية، وبما أن كثيرا منها وجد طريقه إلى الرواية النسوية، فكانت الحصيلة ظهور تماثل في الموضوعات لكثير من نصوص الروايات،أما الأمر الثاني، وهو مرتبط بالأول، فيعود إلى غياب الوعي النقدي لدى كثير من الكاتبات بالهوية الأنثوية الأصيلة للمرأة، وهي هوية فاعلة عبر التاريخ الإنساني، وغياب هذا الوعي جعل كثيراً منهن يقدمن معالجات متشابهة لمشكلات متشابهة، والحال هذه، فما تفتقر إليه الرواية النسوية العربية هو درجة واضحة من غياب الرؤية الأنثوية العميقة للعالم ولذات المرأة، فالكتابة في نهاية المطاف ليس استطرادات، وتوجعات، وشكاوى، ورغبات، وأحزان، واستيهامات، وهي بالقطع ليس مدونة تظلم تقدم لأولي الأمر، إنما هي صوغ خطابي مركب لعالم المرأة يترفّع عن كل ذلك، وهذا الوعي بالكتابة النسوية يكاد يكون غائبا، ولهذا يتعاظم التكرار والتماثل، وكأننا بإزاء مدونة سردية واحدة يتناوب عليها كاتبات كثيرات منهن لم يتوفرن على شروط الكتابة السليمة، فكيف بالرؤية الأصيلة لمفهوم الأنوثة، وللعالم الحاضن لها!! * في زمن بعيد كان للرواية الطليعية حضورها البراق، وذلك البريق لا يكمن في جودة النص فنياً بل لأنها الرواية التي تقدم منشوراً سياسياً يتكاذب في تعاطيه المؤلف والقارئ وكذلك الناقد المأخوذون بالحالة الطليعية. كيف تقرأ الآن - برؤيتك النقدية- حالة الرواية الطليعية عربياً؟ - لقد ولّى الوقت الذي كان ينظر فيه للأدب بوصفه مدونة سياسية دعائية، فتلك من فروض النقد الأيدلوجي الذي انحسر، وظهر النقد المنبثق من سياق أدبية النصوص، وأوافقك الرأي أيضا هذه المرة بأن تاريخ الأدب العربي الحديث شهد مناظرات في العراق ومصر وبلاد الشام حول مفهوم القيمة، هل هي للأيدلوجيا المترشحة من النصوص الأدبية، أم للجماليات الكامنة فيها؟ لكن ذلك النسق من التصور النقدي انهار في سبعينيات القرن العشرين، وتوارت صورته القديمة، على أنه اتخذ شكلاً آخر يتصل بالمحاكاة هذه المرة، وصار كثير من الكتاب يحاكون تجارب سردية مستعارة، منها محاكاة الرواية الفرنسية الجديدة، والواقعية السحرية في أميركا اللاتينية، والواقعية القذرة في أميركا الشمالية، ناهيك عن محاكاة الفنطازيا، ورواية الفضائح، وغير ذلك، فالكاتب العربي بحاجة ماسة لأن ينتقل من مرحلة الدهشة الصبيانية بالتجارب السردية العالمية إلى مرحلة الهضم والتمثل والابتكار. الطليعية تتعارض مع المحاكاة والتأثر السلبي، وتظهر مع الابتكار. * هناك من يرى أن حشد الروائي العربي للموروث في نصه الروائي ما هو إلا حالة فلكلورية يتسول بها إعجاب ودهشة القارئ الغربي المفتون بسحر الشرق وهناك من يرى بأن الروائي يهرب من زمنه ومن لحظته المعاشة إلى تلك الصياغة الروائية – كيف تنظر إلى هذه المسألة ؟ - استبعد أن يكتب الروائي العربي الحقيقي بهدف استرضاء القارئ الغربي، فهذه فرضية متهافتة من عدة نواح، أولها أن الرواية العربية لم تندرج في حساب القارئ الغربي إلى الآن، كما حصل ذلك مثلا مع رواية أميركا اللاتينية، والرواية اليابانية، ولهذا من التمحّل القول بأن الروائي العربي يكتب ما ينتظر منه القارئ الغربي، والتفسير الصحيح لهذه الظاهرة، هو أن بعض الكتاب العرب قد يستجيبون بوعي ولا وعي لشروط الثقافة الاستشراقية التي رأت في الشرق عالماً يعوم على التعصب أو التشدد أو الشبق أو الأبوية الشديدة، والميثيولوجيات البدائية، فهذه جميعها من فرضيات الخطاب الاستشراقي الذي أنتج الشرق حسب مواصفات غربية، ومع أن كثيرا من المكونات المذكورة موجودة في الشرق، لكن ليس من الصحيح تضخيمها، واستبعاد ما سواها، وتجريد الشرق من تاريخه الروحي والمادي، وجعله موئلاً للسحر والخرافة, وتفسيري أن بعض الكتاب يستجيبون للرؤية الاستشراقية، ويرون الشرق بعيون غربية، فيقودهم ذلك إلى الكتابة عما ركز عليه الاستشراق، ولكن هذا لا يخفي ظاهرة مرضية بدأت تترعرع في الأوساط الأدبية العربية، وهي الاستعداد لدفع الثمن من أجل ترجمة نصوصهم إلى اللغات الأجنبية تحت وهم أن الترجمة تعطي مشروعية للقيمة الأدبية لتلك النصوص، وبالطبع لن أجزم تماماً بعدم وجود كاتب هنا وكاتب هناك ممن يريدون استرضاء الأذواق النمطية الغربية في رؤيتها للشرق. * كيف ترى الرواية العربية بعد نجيب محفوظ؟ وهل تشعر بأن الروائي العربي تجاوز سقف الحالة الروائية المحفوظية؟ - ينبغي الإقرار بأنه قد اختلف نقدياً حول التجربة السردية لنجيب محفوظ، وتضاربت الآراء حولها، ففيما يراه كثيرون المدشّن الحقيقي لشرعية الرواية في الأدب العربي الحديث، يراه آخرون السدّ الذي حال طويلا دون تجديدها في العقود الأخيرة، ودون شيوع الأبنية السردية والأسلوبية الجديدة فيها، وطالما نُظر إلى الرواية العربية بابتذال ودونيّة قبله، فيما تبوّأت بعده مكانة كبيرة إلى درجة ذهب فيها معظم النقاد إلى أنها ديوان العرب في العصر الحديث، ولمحفوظ الدور الأول في انتزاع تلك الشرعية. وتكمن القيمة الحقيقية لتجربة محفوظ كما أرى في أنه شيّد فضاء سرديا يتفاقم الانهيار فيه بسبب النوازع الفردية للشخصيات الباحثة عن أدوار خارج منظومة القيم الأبوية السائدة، وتتخبّط الشخصيات في اختياراتها كلما نأت بنفسها عن هيمنة النظام الأبوي، ويغلب أن تنتهي نهايات مأساوية، فالتمثيل السردي يقوم على تنميط قيمي جاهز، والشخصيات تنفلت حينما تسعى لاختراق سلسلة من الأنظمة المهيمنة، كالأسرة، والطبقة، والعادات السائدة، فتقع ضحية أخطاء قيمية، ولا يتردّد محفوظ في دفعها إلى مصائر تعادل تلك الأخطاء، فتصبح موضوعا لعقاب عام يتجسّد في فرد. وكلّ تطلّع فردي، يُكافأ بعقاب صارم، والعالم السردي في رواياته محكوم بجاهزية أخلاقية خاضعة لهيمنة السيطرة الأبوية بشكلها المباشر أو غير المباشر، والشخصيات تكتسب استقامتها، ليس من مزاياها الخاصة، إنما من مقدار امتثالها للقيم الأبوية، ولا يجوز إنكار أن كثيرا من النصوص الروائية العربية قد تخطت تجربة نجيب محفوظ في توظيف تقنيات السرد، وفي ثراء التمثيل السردي، ولكن ما زال بعضها دون الشرعية الأدبية التي انتزعتها أعمال محفوظ بسبب ضخامة تجربته، والهالة الإعلامية حوله بعد أن نال جائزة نوبل، على أنه لابد أن تتوارى هذه التجربة إلى الوراء وتصبح ممثلة لحقبة من حقب السرد العربي الحديث، وداعمة لها، ومعززة لتاريخها، وينفتح تاريخ السرد على تجارب جديدة، فهذا هو منطق تطور الأشكال الأدبية. * يرى الناقد السعودي خالد الرفاعي بأنك جعلت الاحتفال بجسد المرأة أساساً من أساسات النسوية في رواية المرأة ويستنتج بأن الطواف النقدي حول هذه القيمة ما هو إلا محاولة لِذَكْوَرَةِ النسوية بشكل أو بآخر.. كيف تقرأ هذا الموقف من رؤيتك للنسوية في رواية المرأة ؟ - تتنوع الرؤى النقدية حول الرواية النسوية تبعا للمنظور الذي يصدر عنه الناقد، ولا أجد قيمة كبيرة لنقد لا يأخذ في الحسبان المرجعيات الثقافية والاجتماعية والنفسية لهذه الظاهرة، ومن ذلك موقع الجسد الأنثوي في الثقافة العربية والإسلامية، والتنازع حوله بذرائع كثيرة، شرعية وغير شرعية. وغالبا ما تنهض فرضية الأدب النسوي على تقريظ الجسد الأنثوي، وتمجيده، والاحتفاء به، أو كشف تحولاته في ظل ثقافة قامعة لحريته، أو منتقصة لها. ومن الصعب تحديد إطار ينظّم صور الجسد في تلك الرواية، فبين التمجيد، والانتهاك، تندرج سلسلة متداخلة من الصور المتنوّعة التي تجعل منه موضوعاً خصباً يقع تمثيله سردياً بكيفيات متعددّة. ولابد من تأكيد القول بأن تزايد الاهتمام بالأدب النسوي انبثق من خضم الاهتمامات المتزايدة بالحركات النسوية الحديثة التي جعلت من المرأة موضوعا للمنازعة بين الثقافة الذكورية التقليدية، والحراك الاجتماعي المتجدّد الذي أفرز مطالبات كثيرة بحقوقها، ومكانتها، ودورها كفاعل اجتماعي وثقافي، فكان الجسد جزءاً من المنظومة المترابطة لقضية المرأة.