زار مائة وأربعون سائحاً من بعض الدول الأجنبية مهرجان مزايين الإبل في أم رقيبة ، وحضروا عرض الإبل (الوِضْحْ)، والفعاليات المقامة على هامش المهرجان. كان هذا مختصر الخبر الذي بثته وكالة الأنباء السعودية (واس) ، أو أرسله بعض مراسلي الصحف المحلية إلى المراكز الرئيسية ليحتل في اليوم التالي للزيارة حيزاً في صفحاتها. حدث عادي، قد لا يحظى بإشارة قصيرة ضمن نشرات الأخبار السريعة في دول أخرى، حتى في الدول المجاورة. ولكن في بلادنا يكتسب حدث كهذا أهمية لا تتناسب مع حجمه الحقيقي، ومرد ذلك إلى الشح الواضح في عدد الأجانب الذين يفدون إليها لغرض السياحة، مقارنة بالدول العربية والخليجية على وجه الخصوص، فالسياحة ليست بالقطاع النامي والمزدهر حاليا، ومن المرجح أن يطول بنا الانتظار قبل أن نشهد تحوله إلى قطاع يمثل موردا كبيرا داعما للاقتصاد المحلي. لا يعني هذا الكلام التقليل من أهمية وقيمة الجهود الهائلة التي تبذلها هيئة السياحة والآثار في مجال تطوير وتنمية هذا القطاع أو التغافل عن حقيقة توفر الامكانات البشرية والمالية والمواد والمقومات الطبيعية الضرورية لنهوض صناعة سياحة. لكن ثمة عقبة كأداء تعترض الجهود الساعية إلى إنعاش القطاع السياحي، و بالتالي تعيق تحول البلاد إلى طِيّةٍ للملايين من السياح من جميع أنحاء العالم. في ضوء هذه المعطيات الحقيقية، أرى أن أي مشروع يراد به تطوير السياحة ولا يكون هدفه أن يضع أمام السائح الأجنبي والمحلي قائمة غنية من الخيارات الترفيهية والثقافية والفرجوية لن ينجح في جعل هذه البلاد مهوى لأفئدة الآلاف من السياح. وسيستمر الابتهاج بالوفود السياحية الأجنبية النادرة في أم رقيبة وغيرها. العقبة التي أقصد ثقافية في المقام الأول ، تتجسد في موقف هذا البلد من السائح الأجنبي، وإصراره على أن يشبه هذا السائحُ أهلَهُ، أو أن يضطر إلى أن يتشبه بهم أثناء سياحته في ربوعه، وذلك بأن ينسجم أو يتقبل الأوضاع السائدة في مدنه. فعلى سبيل المثال، في حالة السائح الأجنبي ذي الميول التاريخية والحريص على التعرف على تاريخ البلدان التي يزورها سواء بزيارة المواقع الأثرية فيها أو ما يتوافر فيها من متاحف، سيجد هذا السائح نفسه في مدن تضن عليه بالمعلومة التي ترشده إلى متاحفها و آثارها، فالأولى (المتاحف) قد تكون مجهولة المواقع حتى بالنسبة للأغلبية العظمى من المواطنين ، أما الثانية، فهي إما مطمورة تحت الأرض تعلن وجودها لوحات تشير في الغالب إلى الأزمنة الغابرة التي تنتمي إليها، أو محاطة بالأسيجة، أو توجد في مناطق نائية ليس هناك ما يهديه إليها، ولا رحلات سياحية تُنَظّمُ للراغبين في زيارتها. كما يُفرضُ على هذا السائح الأجنبي مواجهة هزال جدوله السياحي اليومي، فيما لو فكر في التعويض عن عدم اشباع ميوله التاريخية بملء جدوله ببرامج ترفيهية أو ثقافية أو اجتماعية، فلسوء حظه لن يجد نفسه في حيرة أمام خيارات كثيرة، لأنه في مدن تُحَيِّرُ حتى الكثير من أهلها بعدائها للترفيه والمتعة. و قد يصاب بالدهشة والخيبة معا عندما يكتشف أن المسرح ليس ضمن ما قد يجده من خيارات، ولا المكتبات العامة التي تغري الناس الى زيارتها، و لا دور السينما، و لا دور الأوبرا، ولا قاعات الموسيقى، ولا الكرنفالات، ولا المهرجانات الفلكلورية المختلفة، وحتى السيرك إن صادف وجوده سيكون مُخْتَصَراً مُجَفَفَاً من التنوع المثير والمبهج الذي يتصف به في مدن الآخرين. أمام هذا الفقر الفادح في الخيارات السياحية، سيرثي السائح لحاله، وقد يشعر بالشفقة أو الإعجاب تجاه أهل هذه المدن لقدرتهم الخرافية على تحمل هذا الوضع الذي يصعب عليه وعلى غيره تحمله. في ضوء هذه المعطيات الحقيقية، أرى أن أي مشروع يراد به تطوير السياحة ولا يكون هدفه أن يضع أمام السائح الأجنبي والمحلي قائمة غنية من الخيارات الترفيهية والثقافية والفرجوية لن ينجح في جعل هذه البلاد مهوى لأفئدة الآلاف من السياح. وسيستمر الابتهاج بالوفود السياحية الأجنبية النادرة في أم رقيبة وغيرها. Twitter: @hotmail.com