فاجعة كبيرة ,ورزية عظمية ,ثلمة لا تضاهيها ثلمة ,فقد مؤلم ,ورحيل بلا سابق موعد ,هي الدنيا وهكذا هي الأقدار , رحل تركي بن سلطان إلى رحمة ربه الكريم الرحمن, خبرٌ هزَّ كافة الأوساط الرياضية والإعلامية ,بل وتعدى ذلك ليصل كافة الأصقاع المحلية والقارية وحتى الدولية ,صباحٌ بائسٌ أطلَّ بوجهه الشاحب ,دموع تغلِّف الزمان والمكان ,ودعوات صادقة تنبثق من حناجرِ وقلوبِ كلِّ من عرف ذلك الوجه النيِّر ,والقلب الخيِّر. بالأمس ومع بواكير الصباح استقبل الوسط الرياضي والإعلامي وبكل حرقةٍ وأسى نبأ وفاةِ صاحبِ السمو الملكي الأمير تركي بن سلطان بن عبدالعزيز- (رحمه الله تعالى) -نائب وزير الثقافة والإعلام للشؤون الإعلامية ,إثر أزمةٍ قلبية لم تمهله طويلاً حتى فارق الحياة في مستشفى القوات المسلحة في العاصمة السعودية الرياض. خبر وفاة الأمير تركي بن سلطان كان كالصاعقة على كلِّ من عرفه عن قُربٍ أو حتى سمِع به ,فالأمير الراحل كان يُمثِّل ثقلاً كبيرا على الصعيد الإعلامي ,فضلاً عمّا كان يختزِله الفقيدُ من صفات حميدة ,ومواقف مشرِّفة مشهودة,فقد أخذ -رحمه الله تعالى -من صفات والده الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- الشيء الكثير ,حتى بات مضرب مثَلٍ في الجود والتواضع ولين الجانب وحبِّ الخير . عرّاب الإعلام السعودي الحديث المتلمسُ لسيرة الفقيد الراحل ,يدرك جيدا عمق الروابط المشتركة بين حياته العلمية والعملية ,ويتيقّن أكثر بأن النجاحات الباهرةَ لسموه لم تكن محض الصُّدفة أو وليدة اللحظة ,فعرّاب الإعلام السعودي الحديث بزغ نجمه باكراً إبّان دراسته الجامعية سنة 1981م ،حيث تخرج من جامعة الملك سعود بالرياض (تخصص إعلام ) بدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى ,وواصل تعليمه العالي في الولاياتالمتحدةالأمريكية في جامعة (سيراكيوز) بولاية نيويورك، وحصل على درجة الماجستير في مجال الإعلام الدولي ،وحصل نظراً لتفوّقه على مدة تدريب عملي لمدة سنة في محطة التلفزيون الأمريكية (س . بي . إس) ممثلاً لولاية نيويورك وكان ذلك عام 1982م . عاد رحمه الله إلى أرض الوطن متسلِّحاً بالعلم ومستنيرا بالمعرفة، وعُيِّن مشرفاً على إدارة الصحافة في وكالة الإعلام الخارجي بوزارة الإعلام بالمرتبة الثامنة . ثم مستشاراً إعلامياً بوكالة الإعلام الخارجي بوزارة الإعلام بالمرتبة العاشرة، ومن ثم وكيلاً مساعداً للتخطيط والدراسات بوزارة الإعلام بالمرتبة الرابعة عشرة ,حتى تم تكليفه بالقيام بأعمال وكالة الوزارة للإعلام الخارجي بالمرتبة الخامسة عشرة ,تلى ذلك وكيلاً لوزارة الإعلام للإعلام الخارجي بالمرتبة الخامسة عشرة ثم مساعداً لوزير الإعلام بالمرتبة الممتازة ثم نائبا للوزير ومسئولا عن الشؤون الإعلامية ,وبالإضافة إلى مهامه الجسيمة تم تكليف سموه بالإشراف على القناة الرياضية السعودية وتطويرها. عرّاب الإعلام السعودي الحديث، لقبٌ أطلقه كافة المنتمين إلى الأوساط الإعلامية والثقافية على الفقيد الراحل ,تتويجا لدوره الكبير -رحمه الله- في النهوض بالإعلام والرقي به إلى أعلى الدرجات. نقل القناة الرياضية نقلة نوعيّة وتخطّى بها حدود المحلية ليصِل بها إلى القارية لم يكن القرار الصادر بتكليف الفقيد بالإشراف على القناة الرياضية حدثاً عابرا في حياة الوسط الرياضي السعودي ,حيث استبشر كافة الرياضيين بلا استثناء بإشراف سموِّه على القناة منذ الوهلة الأولى لصدور القرار ,ولم يخيِّب-رحمه الله- آمال أولئك المستبشرين بتكليفه ,حيث حمل على عاتقه إعادة هيكلة القناة الرياضية وتطويرها من جديد ,حتى جعلها مضربَ مثلٍ يُحتذى به بين القنوات الخليجية وحتى القارية ,فالكلُّ يجمع على أن النقلة النوعية لقناة الوطن الرياضية، كان يقف خلفها شخصٌ واحد، ألا وهو الفقيد الراحل ,وتواصلت عطاءات سموه للقناة حتى اطلقت خمس قنوات رياضيةٍ جديدة وبتقنية الإتش دي الحديثة والمتطورة ,وجلب عدداً من الكفاءات المتميزة لإدارة دفّة القناة ,وكذلك التعاقد مع ألمع نجوم التحليل الرياضي ,وكوكبة متميزة من المذيعين والمعلقين ,وكل ذلك من أجل رِفعة وعلوِّ كعبِ القناة بين نظيراتها . نذر حياته لخدمة دينه ووطنه حتى بات مضرب مثل في التفاني والإخلاص * لم يُسِئ إلى أحد طوال مسيرته ومكتبه ظلَّ مفتوحا للجميع حتى آخر يومٍ في حياته حيادي من الطراز الأول ومهنيُّ فاق العُرفَ والعادة يُسجِّل للفقيد- رحمه الله- طوال مسيرته في الإعلام ,عدم انحيازه لطرف على حساب آخر ,أو مجاملة نادٍ دون آخر ,فالتاريخ يسجِّل لسموه أنه كان يعامل الجميع بعدلٍ وسواسية دون تمييزٍ أو عنصرية ,الأمر الذي جعل موقفه الحيادي من كافة المنتمين للأوساط الإعلامية والرياضية مضرب مثل ومثار إعجاب ,واحقاقا للحق كان حياده -رحمه الله -ومهنيته العالية أمراً يفوق العرف والعادة في زمن طغت فيه الميول على أصحابها وتغلبت الأهواء فيها على تغليب المصالح العامة والمشتركة. صفات حميدة ومآثر نادرة كان الرمز الكبير وفقيد الإعلام الراحل -رحمه الله- يتمتع بصفات نادرة حباه الله بها دون تصنّعٍ أو تكلّف ,فعلى الرغم من مكانته السياسية والإجتماعية ,إلا أنه -رحمه الله- كان مضربَ مثلٍ في التواضع والأدب الجم وحب الخير ,فمكتبه لم يقفل طوال حياته العملية في وجه زائريه وقاصديه ,ويداه المعطاءتان امتدتا لتصل كافة المحتاجين دون ضجيج ,بل وطوال مسيرته المطرّزة بالإنجازات لم يعهد عنه أن أساء لكائنٍ من كان ,يتقبّل النقد بصدر رحب ,ويتجاذب أطراف الحديث مع كافة المهتمين بالحِراك الإعلامي ,يوجّه بصمت ويذلل كل صعب ,في حال النجاح هو فرد من ضمن مجموعة ,وفي حال الإخفاق أو النقد ,يتصدى للمهمة بكل شجاعة حتى يرأب الصدع, هو الأب الروحي للإعلام والإعلاميين السعوديين ومع ذلك هو دائما خلف الكواليس . محطات خالدة وإسهامات بارزة ترأس الفقيد إبّان مشواره مع الإعلام عدداً من اللجان بوزارة الإعلام في كثير من المناسبات والمؤتمرات ،ومنها: ( لجنة الحج ، اليوم الوطني ، مهرجان التراث والثقافة ) كما ترأس اللجنة التحضيرية لتغطية احتفالات المملكة بمرور مائة عام على تأسيسها عام 1419ه الموافق 1999م . في عام 1415ه الموافق 1995م صدرت الموافقة على مشروع النظام الأساسي لمؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية ،وتم تعيين سموه عضواً في مجلس الأمناء بالمؤسسة . ومن مشاركات سموه الخارجية : رأس وفد الإعلام الخارجي في تصفيات آسيا للأولمبياد لوس أنجلوس في كل من (سنغافورة ، لوس أنجلوس ) عام 1404ه الموافق 1984م . ترأس وفد الإعلام الخارجي المشارك في تغطية معارض المملكة بين الأمس واليوم لعدة مواسم وبأكثر من دولة ( فرنسا ، أمريكا ، القاهرة ) عام 1407ه الموافق 1987م . شارك في معرض المملكة في كل من ( لوس أنجلوس عام 1410ه الموافق 1990م ، وأسبانيا عام 1412ه الموافق 1992م ) . قام بإعداد دراسة إعلامية وتقديمها لوزراء الإعلام في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اجتماعهم الذي عقد بعد تحرير الكويت عام 1413ه الموافق 1993 . رأس اجتماعات مسئولي الإعلام الخارجي بدول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة من 1417ه الموافق 1997م وحتى عام 1420ه الموافق 2000م . شارك في اجتماعات وزراء الإعلام العرب في كل من ( تونس ، القاهرة عام 1418ه الموافق 1998م ) . ترأس وفد المملكة للاجتماع السادس لوزراء الإعلام في دول عدم الانحياز الذي عُقد في (كوالالامبور/ ماليزيا) وذلك بتاريخ 17 20/10/1426ه الموافق 1922/11/2005م. ترأس وفد المملكة لاجتماع وزراء الثقافة والإعلام الذي عُقد في الإمارات العربية المتحدة / أبوظبي عام 2005م. فرحة وطن آخر تصاريح الفقيد إعلاميا كان آخر تصريحٍ للفقيد -تغمّده الله برحمته -عشيّة وفاته يوم أمس الأول ،حيث نقلت وكالة الأنباء السعودية حديثا له ،أعرب فيه عن سعادته الغامرة بخروج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود- حفظه الله- من المستشفى سالماً معافى، وسأل الله العلي القدير أن يمتّعه بموفور الصحة والعافية، وأكّد أن خروجه- رعاه الله- من المستشفى قد أوجد فرحةً عارمة في نفوس شعبه الوفي، مُدلِّلاً بذلك على عمق العلاقة والحب والولاء بين قيادة هذا الوطن ومواطنيه. وقال: إنه تلقّى اتصالات هاتفية وكتابية وبرقية من مجموعة من إعلاميين سعوديين وخليجيين وعرب ،ومن مختلف أرجاء العالم، أبدوا مشاعرهم وفرحتهم بسلامة خادم الحرمين الشريفين وخروجه من المستشفى، كما عبّروا عن حبهم وتقديرهم للملك المفدى، سائلين الله تعالى أن يديم عليه ثياب الصحة والعافية ليواصل الدور الكبير والفعّال في خدمة هذه البلاد المباركة والأمتين الإسلامية والعربية والعالم أجمع. وأزجى الفقيد الشكر للإعلاميين على مشاعرهم الفياضة وتقديرهم لخادم الحرمين الشريفين. نقل الإعلام بشقيه المقروء والمرئي نقلة نوعية وانتشل القناة الرياضية حتى عادت إليها الحياة * أياديه البيضاء امتدت للجميع وحياديته نقطة تحوّلٍ في مسيرة الإعلام الرياضي من أقواله المأثورة من أهدافي ،جعل المثقّف السعودي يمارس مسؤوليته الحضارية على المستوى العالمي، وهذا ليس بالأمر السهل فالانتشار العالمي لا يأتي بالقرارات الرسمية أو الدعم المادي فقط ،بل يأتي بقرارٍ إبداعيٍ من الأديب والمفكر والفنان على المستوى المحلي الذي هو الطريق الى العالمية. أتمنى أن نصل بإعلامنا إلى منهج الوسطية والتسامح ونبذ الغلو والتطرف. في القناة الرياضية هدفنا الوصول بالمشاهد إلى حيث يكون الحدث. أطمح إلى أن تكون الإذاعة والتلفزيون على المستوى المطلوب والمناط بهما في مواكبة إعلام العصر الحديث بما يتواءم مع قيم وتقاليد المملكة. يجب وضع خطة إستراتيجية عربية متكاملة تعنى بالنشر وشؤونه وتستفيد ممّا حقّقه ممّن سبق في هذه الصناعة مع الحفاظ على العادات والتقاليد المستمدة من الكتاب والسنة . من الصعب أن نصل إلى درجة الكمال إلا إننا سنسعى إلى بلورة الكثير من الأفكار لنصل إلى رضا وغاية المتلقي.