تبين لنا في المقال السابق أن المسلمين سواسية في وصف الإسلام بانتسابهم للجامعة الإسلامية وأن الناس سواسية في وصف البشرية بانتسابهم لآدم، فالفطرة شاهدة على هذا التماثل، وهذا هو الأصل، أما حين تعرض العوارض -ويكون هذا في حالات استثنائية- وتحول دون التساوي، فالتشريع فيه من المرونة ما يجعله يتوافق معها، تحقيقاً للعدالة ورفعاً للحرج، ومصداق ذلك نجده في أبواب العبادات وفي أبواب البيوع والجنايات والميراث وغيرها، وإذا تأملناها وجدناها تفرض العدل والمصلحة على المجتمع، فلا مساواة بين الناس في درجات الإيمان (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) فالتفاوت يقتضي اختلاف الحكم بين المتفاوتين في الأجر والثواب، ولو وقع التساوي لما كانت محمدةً لمحسن ولا مذمَّةً لمقصِّر، وكذلك لا مساواة بين المقيم والمسافر في حكم القصر في الصلاة، ولا بين الصحيح والمريض في كثير من أحكام الطهارة والصلاة، وأما في المعاملات فعدم التساوي كثير، وأظهرُ مثال لذلك أنَّ الإسلام يفرض التساوي بين جميع المواطنين من مسلمين وغيرهم في عموم الأحوال، وقد نصَّ الفقهاء على أنهم داخلون في عهد المسلمين وأمانهم وحرمتهم، وسمَّوهم أهل عهد وأمان وذمَّة، فهم مواطنون لهم ما لنا وعليهم ما علينا، قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَن قَتل معاهَداً لم يَرَح رائحة الجنة) الإسلام يفرض التساوي بين جميع المواطنين من مسلمين وغيرهم في عموم الأحوال، وقد نصَّ الفقهاء على أنهم داخلون في عهد المسلمين وأمانهم وحرمتهم، وسمَّوهم أهل عهد وأمان وذمَّة، فهم مواطنون لهم ما لنا وعليهم ما علينا، قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَن قَتل معاهَداً لم يَرَح رائحة الجنة) وبلغ من موادَعتهم أنْ أوصى سيدُنا عمرُ رضي الله عنه بهم خيراً، بأنْ يُقاتَلَ مِن ورائهم، قال القاضي أبو الوليد بن رشد: (وإنما أوصى بهم مَخافةَ أنْ تُسْتَخَفَّ إذايتُهُم مِن أجل كفرهم)وبلغ من موادَعتهم أنْ أوصى سيدُنا عمرُ رضي الله عنه بهم خيراً، بأنْ يُقاتَلَ مِن ورائهم، قال القاضي أبو الوليد بن رشد: (وإنما أوصى بهم مَخافةَ أنْ تُسْتَخَفَّ إذايتُهُم مِن أجل كفرهم) ونقل الإمام القرافي اجماع المسلمين على أنه لو جاء محاربون إلى بلادنا يقصدون أهل الذِّمة، فإنه يجب علينا أنْ نحميهم ونموتَ دون ذلك، ثم قال: (فمن اعتدى عليهم، ولو بكلمة سوءٍ أو غيبة، في عِرض أحدهم، أو نوع من أنواع الأذيَّة، أو أعان على ذلك، فقد ضيَّع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم) غير أن شريعة الله لم تساويهم بالمواطنين في بعض الأحوال، ففي سبيل تحقيق العدالة في أسمى معانيها، فرَّقت بين المواطنين في بعض الأحكام، فجرَّمَت بعض المخالفات على أغلب المواطنين، وأَذِنَتْ بها للبعض الآخر، وهو معنى بديعٌ لم تعرفه القوانين الحديثة، ذلك أن قانونَ الدولة الإسلامية يَمنعُ جميعَ المخالفات والمنكرات والسوءات التي تُفسد النظام، والتي أدناها الفسق وأقبحها الكفر والشرك، غير أنه استَثْنى المواطنين مِن أهلِ الكتاب بممارسة أعمالهم التي لا يقبلها عقل ولا يقرُّها شرع، كشرب الخمر وأكل الخنزير وغيرها، بل إنْ أراق مسلمٌ الخمرة عليهم أو أتلف لحوم الخنزير التي لهم وَجَب على مَن أتلفها أنْ يضمن ذلك، إلا أنْ يشربوها في الطرقات أو في أسواق المسلمين، فإنْ جاهروا بها وجب مَنْعهم وتأديبهم، وأذنت الشريعةُ لهم في البقاء على اعتقادات باطلة، يمارسونها في كنائسهم وبِيَعهم، كاعتقاد النصارى أن المسيحَ خَلَق أمَّهُ ثم وُلِدَ منها فصار إنسيَّاً، كما في قانون الإيمان: (يسوعُ، الابن الوحيد المولود من الأب قبل الدهور من نور الله ، إلهٌ حقٌ من إلهٍ حق، مولودٌ غير مخلوق، ومن أجلِ خطايانا نزل من السماء، ومِن مريم العذراء تأنَّس) وكاعتقاد اليهود أن يعقوب عليه السلام صارع الله تعالى وصرعه، فقد جاء في سفر التكوين (24 : 32) ان الله تعالى قال ليعقوب: (لن يُدعى اسمك يعقوب من بعدُ، بل إسرائيل، لأنك صارعت الله والناس وغَلَبت) ومن العوارض ما يمنع مساواة غير المسلم بالمسلم لداعي المصلحة، فغير المسلم لا يكلَّف بالعمل في حماية الثغور، بل يُجبر على أنْ يدفع قدراً من المال عوضاً عن حمايته وحفظ مُهجته، وقدرُه دينارٌ واحد أي أربع غرامات من الذهب، وتعادل اليوم سبعمائة ريال فقط، ويسمَّى ذلك الجزية، وهي مِنْ جَزَى يَجْزِي أي أنه يُكافِيء المسلمين جزاءَ حمايته، وإنْ أبى ذلك أُجْبِرَ على دفعها ويسمَّى هذا الإجبار صَغاراً، وهو معنى قوله تعالى: (حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) ويكون ذلك (عَن يَدٍ) أي عن قدرة، فلا يدفعها الفقير ولا الصغير ولا المجنون ولا المترهِّب .