يبدو أن أربعاء الشعر صار يفرض علي اختياراته، ففي الوقت الذي اقرر فيه تناول قصيدة ما تنتزعني قصيدة أخرى تبز صاحباتها جمالاً واغراء . تصيدني اليوم ديوان شاعر الكويت فهد العسكر وهوشاعر ترنم بالحزن وعزف على أوتار الأسى وحكى في ديوانه حكاية شبابه العثر في غربة الروح بين أهلة وعلى أرض وطنه فألقى بنفسه في أحضان العزلة وشكى في شعره آلام روحه كما شكى من آلام جسده . مات فهد بالدرن الرئوي بعد ان امتزج الحزن في أيامه فصيره بائساً مستسلماً، فقد رافقه الفرح أول حياته ثم غاب فصاحبه الهم والمرض في الشطر الأكبر منها فاعتزل الناس والحياة وقضى آخر عمره القصير في المشفى بعد أن استحث حبيبته يوماً لتسعده بالوصال للعسكر قصائد جميلة ضمنها حبه للحياة والجمال كما أودعها تشاؤمه وتبرمه منها بعد أن تكاثرت النصال على روحه وضاق بالحياة والأحياء من حوله، ومن جميل ما تردد على أسماعنا من شكواه قصيدته «شهيق وزفير» التي تغنى بها شادي الخليج واشتهرت بعنوان ( كفي الملام). كفي الملام وعلليني فالشك أودى باليقين وتناهبت كبدي الشجو ن فمن مجيري من شجوني وأمضني الداء العياء فمن مغيثي ، من معيني أين التي. خلقت. لته واني وباتت تجتويني أماه قد غلب الأسى كفي الملام وعلليني ...أرهقت روحي بالعتا بفأمسكيه أو ذريني أنا شاعر أنا بائس أنا مستهام فاعذريني تلك قصيدة طويلة تنقل فيها الشاعر بنا بين أسباب بؤسه وشقائه وهي كثيرة أبرزها اصطدام فكره مع المجتمع الكويتي حينذاك الذي راح يكيل له من التهم بمكيال كبير ضاق قلبه الرهيف عن احتماله وعجز عقله عن تقبلها فانزلق في كؤوس الراح يعبها عباً مما زاد عليه اللوم فاستجاب فؤاده لكل ذلك بمزيد من الأسى والتشاؤم والقهر والخذلان حتى اكتملت آلامه بفقدان بصره فزاد تبرمه واشتكى من الناس والوطن وحبه الآفل وصدود ليلاه ، فمن لرجل تأزمت كل علاقاته الإنسانية بدءا من أمه وهي الأقرب والأكثر عطفاً ومساندة غير أنه ضاق بلومها وعتابها فاجتهد ليقنعها بالكف عن ذلك وهو يبرر لها طلبه بتعداد أسباب حزنه وانعزاله . أنا من حنيني في جحيم آه من حر الجحيم .. ضاقت بي الدنيا دعيني أندب الماضي دعيني وأنا السجين بعقر داري فاسمعي شكوى السجين فتحدث عن وطنه شاكياً وقال: وطني وما أقسى الحياة به على الحر الأمين وألذ بين ربوعه من عيشتي كأس المنون وطني وما ساءت بغير بنيك يا وطني ظنوني فقد شمتوا به بعد أن أوسعوه ذماً ونالوا منه في ذاته وفي صلته بربه وتحاملوا عليه بشتى التهم ورقصوا على نواحه وطربوا لأنينه. وتحاملوا ظلماً وعدوان علي وأرهقوني فعرفتهم ونبذتهم لكنهم لم يعرفوني وتكتمل همومه بغياب ليلاه .. حلم الفؤاد الذي لم يتحقق وخمرة القلب التي لم تحتسَ . غابت ليلى فاستجداها العودة غير أنها لم تستجب فاشتعل الحنين وأضناه الجوى ليلى تعالي زوديني قبل الممات وودعيني ...ليلى إذا حم الرحيل وغص قيسك بالأنين ... ولفظت روحي فاطبعي قُبل الوداع على جبيني وإذا مشوا بجنازتي ببنات فكري شيعيني وإذا دفنت فبللي بالدمع قبري واذكريني ومات فهد بالدرن الرئوي بعد ان امتزج الحزن في أيامه فصيره بائساً مستسلماً، فقد رافقه الفرح أول حياته ثم غاب فصاحبه الهم والمرض في الشطر الأكبر منها فاعتزل الناس والحياة وقضى آخر عمره القصير في المشفى بعد أن استحث حبيبته يوماً لتسعده بالوصال مقنعاً إياها بقوله : لم لا وعمر فتاك أطول منه عمر الياسمين Twitter: @amalaltoaimi