الأمن هو النعمة الكبرى التي امتن الله بها على عباده فقال عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}. ونحن في هذه البلاد قد امتن الله علينا بهذه الجوهرة الثمينة، والنعمة العظيمة، فأمِنا حين يخاف الناس، وشبعنا حين يجوع الناس، وسكنا حين يشرد الناس، وشرفنا بالوقوف بقدر استطاعتنا مع إخواننا في جميع أنحاء المعمورة في كل عادية مرت عليهم، أو يكون جزاء إحسان الله إلينا إلا الإحسان، والشكر الجزيل على هذه النعمة الكبرى شكرا عمليا وقوليا؟ إن التفريط في هذا الأمن، وزعزعته في هذه البقعة المباركة التي تعد معقل الإسلام الأول، ومئزره الأخير، لهو عدوان على الإسلام والمسلمين في كل أنحاء الأرض، مهما كانت نيات من خالف ذلك، واشترك ولو بكلمة في إشعال فتيل الفوضى والقلق الأمني. وإن الحق يملي على العلماء والخطباء والمثقفين أن يبيِّنوا حقائق في غاية الأهمية؛ منها ما يلي: أولا: البعد عن الاجتهادات الخاصة، فإن كل ما يزعزع المجتمع ويحدث الخلل في الصف هو هدية ثمينة تقدم إلى عدو لا يرقب في المسلمين إلاً ولا ذمة، ولذا فلا بد من تدبر عواقب الأمور ونتائج الأعمال وآثارها، والموازنة بين المصالح والمفاسد كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: « ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيّرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك فقد يدع واجبات ويفعل محرمات ويرى ذلك من الورع». ثانيا: لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، فإن الوحدة قوة، والفرقة عذاب، يقول الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. ثالثا : التواصي بين سائر المسلمين بالبر والتقوى والتمسك بحبل الله والبعد عن التفرق والاختلاف الذي يقع به تمكين المتربصين بالأمة وتسليطهم على شعوبها وخيراتها، فإنه إذا انفك حبل الأمن وشاع الافتراق بين المسلمين فإنه نذير فتنة عامة لا قدر الله. وإن الإسلام ليضع بتعاليمه السمحة توازنا يحكم الصلة بين الفرد والدولة فيشترط وجوب طاعة ولي الأمر، بشرط ألا تكون في معصية الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث : (( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ))، وفيما عدا ذلك فإنه لا يحق للمسلم أن يخرج على الإمام بل عليه الطاعة والتعاون وتقديم النصح والدعاء بالتوفيق والسداد. ومن الطاعة أيضا النصيحة لهم ؛ قال النووي : (( وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به وتنبيههم، وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس بطاعتهم )) . قال الخطابي : رحمه الله : (( ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وألا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح )) . ولا ننسى أنفسنا نحن الرعية، فكما نود من حكامنا الاستقامة التامة على منهج الله وتطبيق جميع حدوده فينا، فلا بد أن نكون نحن كذلك، قال عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي على المنبر: ((ألا تنصفونا معشر الرعية؟ تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر، ولم تسيروا في أنفسكم ولا فينا بسيرة أبي بكر وعمر !! أسأل الله أن يعين كلا على حاله)). ورائع ما نراه هذه الأيام من التفاف فريد للشعب حول قادته، وتعاون يقض مضاجع الأعداء في إفشال كل المحاولات لنقل عدوى الفوضى إلى بلادنا، وهو ما اعتادته هذه البلاد مكن الله لها في الأرض، ومكنها من إقامة الشرع والأمن ونشر الهدى.