المتتبع لاحداث العالم العربي الساخنة اليوم يلاحظ تلازما وثيقا بين احداث تونس و مصر، كنا قد اشرنا اليه في مقال سابق على هذه الصفحة. وبالرغم من انه ليس من الواضح بعد أي من الثورتين اثرت في الاخرى، هل هي مصر بثقلها وجمهورها وعراقة مؤسساتها، ام تونس باسبقيتها ؟. على اية حال فقد ازداد هذا التلازم الى درجة التطابق وكان الثورتان توأما حقيقيا بالفعل. فلم يتم الاكتفاء بالتغيير في هرم السلطة بل طال التغيير كافة مؤسسات الدولة بدءا بهرمها وانتهاء بمحافظي المناطق وكافة المؤسسات المفصلية في الدولة. هناك كلمة سحرية تجمع بين احداث البلدين: « الشباب» . نعم انهم الشباب بكل ماتحمله الكلمة من معنى. لفترات طويلة كان العقل السياسي العربي وادبياته متوجها باهتماماته الى الاحزاب السياسية بمختلف مسمياتها وتوجهاتها الايديولوجية والحركات الاجتماعية وكثير من اصناف الحراك الاجتماعي التقليدي في كل بلد. ولم يأت احد على ذكر الشباب. بل لم يدر بخلد احد ان يكون الشباب العربي المشغول هذه الايام بالفيس بوك قادرا على ان يصنع احداثا بهذه الجسامة، الى درجة انه الى الان لم يتقدم احد من هاتين الثورتين ويدعي شرعية قيادته لها. وبالرغم من ورود اسماء مثل وائل غنيم واحمد ماهر وشادي الغزالي في مصر الا ان هؤلاء الشباب اعلنوها صراحة انهم لم يكونوا مسيسين، بقدر ماكانوا تواقين الى تغيير الواقع الكئيب لحياتهم. لقد اغفل المحللون والنقاد والمفكرون والاكاديميون ايضا أية امكانية لحركات شبابية من شأنها ان تغير واقع العرب على كل الصعد. نعم لقد كان هناك تكلسا فكريا وسياسيا واجتماعيا في آليات العمل الرسمي العربي. ببساطة لقد نسيت الحكومات العربية الشباب وتطلعاتهم فأتاها هؤلاء من حيث لاتحتسب. ففي خضم الاحداث التقليدية وبدون أي مقدمات بل وبدون اهتمام اعلامي يذكر وفي اقصى جنوب غرب تونس يضرم شاب عشريني النار في نفسه لاسباب كثيرة من اهمها صون كرامته الانسانية التي اهدرت عندما قامت احدى مجندات الدرك التونسي بضربه. كلمة سحرية تجمع بين احداث البلدين: « الشباب» . نعم انهم الشباب بكل ماتحمله الكلمة من معنى. لفترات طويلة كان العقل السياسي العربي وادبياته متوجها باهتماماته الى الاحزاب السياسية بمختلف مسمياتها وتوجهاتها الايديولوجية والحركات الاجتماعية وكثير من اصناف الحراك الاجتماعي التقليدي في كل بلدعندما احرق البوعزيزي نفسه كان قد استنفد كل محاولات العيش الكريم التي لم يعد بالامكان تحمل الحياة معها. رحمه الله والمتنبي القائل: كفى بك داءا ان ترى الموت شافيا وحسب الاماني ان يكن امانيا. لقد رحل عنا البوعزيزي وهو لم يعلم انه قد كتب بداية تاريخ العرب الجديد. وسيقف المؤرخون مطولا عند هذه اللحظة الفاصلة في تاريخ العرب الحديث. لقد دشن البوعزيزي من دون ان يعلم حركة احتجاج الشباب العربي. انها حركة لايمكن لها ان تقوم ولايمكن لها ان تقوم بدون الشباب. نعم هم الشباب العمود الفقري لهذه الحركات. الشباب العاطل عن العمل، المهمش والباحث عن لقمة الخبز وعن الحرية وعن الكرامة، ببساطة الشباب الباحث عن حياته. ومازال حديث ذلك المسن في احدى الفضائيات الشهيرة المصحوب بعبرات الحنين الى الشباب والتحسر على الماضي دليلا دامغا على عمق التغيير الكبير الذي احدثه شباب تونس عندما قال : « فرصتكم ايها الشباب التونسي ان تقدموا لتونس مالم نستطع نحن ان نقدمه لاننا هرمنا من اجل هذه اللحظة التاريخية». انها لحظة جديرة وعبارات بالغة حرية بان تسجل وتؤخذ منها العبر. ولان طموحات الشباب لاتنتهي فقد اتت توجهاتهم اكلها، وهانحن نشهد في مصر وفي تونس انجازات لم يكن يخطر في عقل انسان امكانية حدوثها قبل شهرين وهو عمر هذه الاحداث. هناك فجوة كبيرة تفصل بين الشباب ومحيطهم الفاعل في الاحداث. وهي فجوة متعددة المستويات في التربية والتعليم والاعلام والحياة الاجتماعية والفكرية والاقتصادية. ومالم يتم الانتباه الى هذه الفجوة وردمها والاخذ بيد الشباب الى شاطئ الاطمئنان الذي ينشدونه في كافة شؤون الحياة فاننا نساهم في المزيد من تغريبهم ودفعهم باتجاه المجهول، وهو مالايتمناه اي مواطن عربي غيور على وطنه وأمته. هذا ماتقوله أي قراءة موضوعية هادئة لامواج اليوم العاتية. [email protected]