عند استعراض طرائف الحمية (الرجيم) تفرض أقوال المشاهير المهووسين بالحمية نفسَها، ويعود اهتمام هؤلاء بالرجيم إما للعناية بصحتهم، أو للمحافظة على رشاقتهم. يقول المخرج والمنتج الأمريكي أورسن ويلز إن طبيبه قد نصحه بألا يتناول وجبة أربعة أشخاص إلا إذا شاركه الطعام ثلاثة أشخاص آخرين. أما العمدة إدوارد كوخ فيذهب إلى أبعد من ذلك فيقول: «أفضل حمية هي أن تغلق فمك، وهذا شيء صعب على السياسي، أو أن تشاهد أطباق الطعام ولا تأكلها». نعم شاهد الأطباق وكأنها لوحات أو منحوتات في معرض، وفي المعارض يمنع لمس الأعمال الفنية. ويرى آخر أن القلق أفضل حمية على الإطلاق. أما المغنية توتي فيلدز فتقول: «لقد اتبعت حمية لمدة أسبوعين، ولم أفقد «أخسر» إلا الأسبوعين».. شيء محبط. لكن عارضة الأزياء نعومي كامبل تأكل كيفما اتفق، دون تردد أو قلق. شيء يذكّرنا بقول سهير البابلي لأحمد بدير: «الناس تأكل علشان تِتْخَنْ وأنتَ تأكل علشان تِطْوَلْ». الحمية أو (الرِّجيم) شكل من أشكال الاهتمام بالمظهر، ولا عيب في الاهتمام بالمظهر، بل هو أمر مطلوب، لكنه ليس كل شيء. فالمظاهر الجميلة أقنعة، تبطن أحيانًا غير ما تظهر، وغالبًا ما تتساقط إذا لم تدعمها مضامين جميلة أيضًا، وربما تحوّلت الرشاقة إلى قبح، والأناقة إلى خِرَقٍ وأسمالٍ بالية. وبعد: بيني وبين الدكتورة الشاعرة فاطمة القرني قاسم أدبي مشترك هو الاهتمام بأدب الفكاهة، وكتابة القصيدة الضاحكة، فإذا ولدت القصيدة ضاحكة فلا تُخنق ضحكتها، ولا تُدسّ في درج المكتب، لكنها أجرأ مني حين تضمن دواوينها الجادة بعض القصائد الهازلة، فتجاور القصيدةُ الجادة أختَها الضاحكة. وفي ديوانها (مطر) قصيدة تتناول موضوع الرجيم عنوانها (على «المَنْدِي» أبو زيدٍ ينامُ). وأبو زيد الذي يشنّ غارة ليلية على صحن «المَنْدِي» قبل أن ينام، يريد أن تكون زوجته رشيقة، فتتبع الزوجة المسكينة حمية غذائية قاسية كي تبقى رشيقة، وحتى لا يقع المحذور، ويبتليها بضرة. أصبحت أم زيد شبحًا بعد حمية مضنية (خس وكوسة وجرجير). وتسأل الشاعرةُ أمَّ زيد عن زوجها أبي زيد: أهو بتلك الرشاقة حتى تكلّف نفسها عناء ذلك الرجيم القاسي؟ «سألتُ: أبو زُوَيْدٍ كيف يبدو؟ فضجَّت ما لهيكلِهِ عظامُ/ سمينٌ بَدْؤُه كرشٌ تُحَيّي/ وآخِرُ؟ ما لآخِره ختامُ/ فقلتُ: عَلاَمَ خوفُك بحبحيها/ كُلِي.. أفناكِ يا أختُ الصيامُ»! إلى أن تقول: «إذا عزم الخيانةَ أشعبيٌّ/ فلن يثنيه حُسنٌ أو قوامُ».. هذا هو واقع الحال، فكثير من الأزواج يريد أن تكون زوجته في رشاقة الدمية باربي وهو بَدينٌ أكرش، ويريدها أنيقة، وهو أشعثٌ أغبر، ويريدها رقيقة وخفيفة ظل وهو ثقيل «أقشر».. ويبدو أن أبا زيد الذي رسمتْ له الشاعرة فاطمة القرني تلك الصورة الكاريكاتورية لا يختلف عن ذلك النموذج من الرجال، وقد يتفوّق على بعضهم بالتهام كميات من المَنْدِي قبل الذهاب إلى النوم. طيب يا عم أبو زيد .. ما دمتَ «فيلا» فلماذا تطلب منها أن تكون «فراشة»؟ الحمية أو (الرِّجيم) شكل من أشكال الاهتمام بالمظهر، ولا عيب في الاهتمام بالمظهر، بل هو أمر مطلوب، لكنه ليس كل شيء. فالمظاهر الجميلة أقنعة، تبطن أحيانًا غير ما تظهر، وغالبًا ما تتساقط إذا لم تدعمها مضامين جميلة أيضًا، وربما تحوّلت الرشاقة إلى قبح، والأناقة إلى خِرَقٍ وأسمالٍ بالية. وقد تناولتُ الرجيم في إحدى ركلات الترجيح، فخاطبتُ حوَّاء قائلًا: «دعي (الرجيمَ) فليس الوزنُ مشكلةً/ وخفّةُ الروحِ تُنْسي زوجَكِ الجسدا/ وقاطعي (علبةَ المكياج) وابتسمي/ لم يقتلْ الضّحْكُ يا حوَّاءنا أحدا»! وما أجمل الجمع بين رشاقة الشكل والمضمون! [email protected]