المملكة من أوائل الدول التي اكتوتْ بنيران الإرهاب، ومن أوائل الدول التي فتحتْ ملفات الجهات والفصائل والمنظمات التي تموله، أو توظفه في خدمة مصالحها، ذلك لأن المملكة كانت تدرك أنها تتعامل مع آفة بالغة الخطورة غالبا ما تستخدم الأديان والعقائد للمرور إلى غاياتها، ولأن المملكة هي من يمثل رأس الإسلام بوصفها قبلة المسلمين، ومهبط الوحي، فقد كان لزامًا عليها أن تبادر في قراءة المشهد بكل دقة، أولا انطلاقا من مسؤوليتها عن تبرئة الإسلام من تهمة الإرهاب، ثم لبيان الموقف الحقيقي للدين من هذه الارتكابات البغيضة التي تستهدف الآمنين، لذلك كانت هي أول من طالب بتصنيف حزب الله اللبناني ضمن قائمة الإرهاب، ولم تتأخر عن تسمية كل الفصائل والأحزاب المتورطة في جرائم الإرهاب لأنها تعي خطورة السكوت عن هذا الوباء، أو المجازفة بإدخال التصنيفات في سياق اللعبة السياسية، لأن الأمر يرتبط بالسلم العالمي، وأمن الدول والمجتمعات، وحينما طالبت بضم الحرس الثوري لقائمة الإرهاب، لم يكن ذلك بدافع خلافات سياسية مع طهران، وإنما من منطلق الحماقات والبشاعات التي مارسها هذا الجهاز العسكري في كل من العراق وسوريا واليمن وغيرها من الدول، وصولا إلى دول بعيدة لم تسلم من أذاه، حيث كان لزاما على المجتمع الدولي أن يتخذ موقفا صارما ضد هذا الجهاز للحيلولة دون امتداداته الدموية في المنطقة والعالم. الآن وقد تفهمت الإدارة الأمريكية الموقف السعودي بمسؤولية، وأدخلت الحرس الثوري ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في خطوة عدها كثير من المراقبين أهم خطوة تمت حتى الآن في مواجهة الإرهاب، يتطاول أمامنا هذا السؤال: كيف ستتمكن إيران من المحافظة على الأرض التي وضعتْ عليها أقدامها في غير مكان؟ وهي الممسوكة بأنياب وأظافر الحرس الثوري الذي يمثل مخلبها المسموم لأنه ظل يمارس جرائمه خارج كل الأدبيات العسكرية، إذ لم يكن مطلقا فريقا عسكريا بقدر ما كان مجرد عصابة تأتمر بأمر المرشد وفريق الملالي الذين أطلقوا يدها لتعيث فسادا في الأرض؟ كيف ستتمكن طهران دون حرسها الثوري من فرض هيمنتها على المجتمعات التي استولت عليها بالجريمة؟ بل كيف ستمسك بأمنها وسلطاتها حتى في الداخل الإيراني، سيما وأن الحرس الثوري الإرهابي هذا كان هو عصا التوازن الذي طالما استخدمته في السير على الحبال بين القوى المتنافرة داخليا والتي تنز صديدا على بعضها؟.