مر ما يقارب العام منذ الإعلان عن إنشاء وكالة لتوظيف السعوديين «التوطين» في وزارة العمل، والوكالة المستحدثة تولت الاختصاصات والمهام المنوطة بهيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة الملغاة، ومنذ الإعلان عنها لم نر أي أثر لها على سوق العمل حتى الآن، وهذا العتب لا يقلل من جهود وزارة العمل وحرصها على إيجاد الحلول للتقليل من معدلات البطالة، ولكن كمختص في الموارد البشرية ومن نقاشات مع العديد من المختصين في نفس المجال، دائما ما نتساءل عن نتائج تلك الوكالة واقعيا على سوق العمل. في الفترة الماضية سمعنا فقط عن توقيع اتفاقيات وشراكات إستراتيجية وتعاون بين وكالة التوطين وعدة جهات حكومية وخاصة لاستهداف توطين مهن ووظائف تخصصية، وتفاءلنا بتلك الاتفاقيات والشراكات؛ كونها تنصب في توطين المهن بدلا من التوجه لتوطين القطاعات بشكل كامل، ولكن لم نسمع عن أي إفصاح لنتائج تلك الاتفاقيات على أرض الواقع، فما زالت المسألة تسيطر عليها الضبابية، وتحتاج لتوضيح أكبر من خلال تقارير رسمية. عندما نتحدث عن وكالة للتوطين، فهذا يعني أننا نتحدث عن وكالة، أحد أهم أدوارها الرئيسية تمكين الثروات البشرية من الدخول في سوق العمل من خلال تطويره ونقله نوعيا لمستويات أعلى، حتى يساهم فعليا في النمو الاقتصادي، فعملية التمكين لا تعني فقط عملية التوظيف، وأكرر ذلك أكثر من مرة بأن التمكين لا يعني فقط «التوظيف»، وعملية تطوير سوق العمل تشمل عناصر عديدة مرتبطة بطرفي سوق العمل «العامل وصاحب العمل» وليست فقط قرارات الغرض منها حماية مفرطة لطرف على الآخر. أتمنى في الفترة القادمة أن يكون هناك إفصاح عن نتائج جميع الاتفاقيات والشراكات التي تم توقيعها من خلال وكالة التوطين، وأتمنى أن نرى لقاءات عامة دورية وليست خاصة بين وكالة التوطين وأصحاب الأعمال، وأتمنى أن نرى لقاءات عامة بين وكالة التوطين والمعاهد المختصة، وأتمنى أن أرى تواجدا مؤثرا لتلك الوكالة في معارض التوظيف على مستوى المملكة، وأتمنى أن نرى تقارير ربع سنوية مناطقية عن حال سوق العمل من خلال الوكالة بالإضافة لدراسات سنوية، وأتمنى أن نرى مبادرات مناطقية خاصة في تطوير سوق العمل من خلال تلك الوكالة، وأتمنى أن نرى تقييما عكسيا من أصحاب الأعمال لأداء وكالة التوطين، وأخيرا أتمنى أن أرى تلك الوكالة «على أرض الواقع» ومرجعها الهيكلي بالكامل لإمارات المناطق الإدارية وليس لوزارة العمل مباشرة، كون المناطق أدرى بحال وطبيعة سوق العمل فيها. كوجهة نظر شخصية، حلول البطالة لا ترتبط فقط بتوجهين «توظيف كمي» أو «تدريب ثم توظيف»، وإذا استمرت إستراتيجيتنا على هذا التوجه فلن يكون هناك أي استدامة، ولن يكون هناك أي انخفاض في معدلات البطالة كما هو مستهدف في رؤية المملكة، فالقضية متشعبة ولن تجدي القرارات العامة حال تطبيقها بالتساوي على جميع مناطق المملكة، وهنا أرى الدور الكبير لتلك الوكالة من خلال التحرك العاجل مناطقيا من خلال مبادرات أشمل تعتمد على إستراتيجيات الموارد البشرية الحديثة ووضع مؤشرات أداء لها، فالتعامل مع قضية البطالة يعني التعامل مع عدة أطراف «ثروة بشرية» و«صاحب عمل» و«سوق عمل يعتمد على طبيعة المنطقة»، وبمعنى آخر تعامل اقتصادي شامل. ختاما: وكالة التوطين تحتاج إلى قوة أكبر من الوضع الحالي حتى نجد تأثيرا فعليا لها، وما أتمناه من القائمين على تلك الوكالة أن يعتبروا ما ذكرته في المقال كعتب وليس انتقادا، وفقهم الله في الأيام القادمة.