بداخل كل واحد منا تلك البذرة الدقيقة للذات الفريدة التي خلقنا عليها، ولقد بدأت حياتك كرضيع يعرف بالضبط ما يريده، فكنت تعلم متى تكون جائعا، وتبصق الأطعمة التي تعجبك، وتلتهم التي أحببتها بشهية، ولم يكن لديك حرج في التعبير عن رغباتك، وتصرخ وتعبر وتزحف في البيت باتجاه ما تريد بلا خوف، ثم حدث بعدها أن أشخاصا ما في مرحلة من حياتك قالوا لك «لا تلمس هذا»، «ألا تخجل من نفسك»، «كف عن السؤال»، وحين كبرت أكثر سمعتهم يرددون، «لا يمكنك الحصول على كل ما تريده»، «لا يأتي المال بسهولة»، «لا تكن أنانيا وتهتم بنفسك»، وبعد سنوات طويلة مع كل هذه المبرمجات ينتهي الحال بمعظمنا لفقدان أي اتصال مع احتياجاتنا الحقيقية، ونصبح عالقين في محاولتنا لاكتشاف ما الذي يريد منا الآخرون فعله، والتدرب على ما يناسب توقعاتهم، فأغلبنا يمارس العديد من الأشياء التي لا يرغب في فعلها ليرضي من حوله تحت مسمى العقلانية، فينتهي الوضع بالكثير لأن يكونوا متبلدين حيال اهتماماتهم، ولا عجب أنك حين تسأل الكثير من المراهقين عما يريدون أن يفعلوا أو يكونوا يردون بعفوية «لا أعرف»، ولهذا نتساءل، كيف نستعيد شيئا من معالم الذات المفقودة؟ ونعبر عما نريده بدون خوف أو كبت؟ وكيف نعيد الاتصال بشغفنا الحقيقي؟. عليك أن تبدأ على أقل مستوى بأن تحترم تفضيلاتك في كل موقف ولا تنظر لها على أنها أنانية، وإذا كنت راغبا في استعادة بصمتك الشخصية في هذه الحياة فتوقف عن ترداد عبارات «لا أعرف»، «لا أبالي»، «لا يهم»، وحينما تواجه بما يتطلب منك اتخاذ خيار معين مهما كان صغيرا فليكن لديك تفضيل معين واسأل نفسك، لو كنت أعرف فماذا سيكون خياري؟ لو كنت مهتما فماذا كنت سأفضل؟، لأن عدم وضوح ما تريد بالنسبة لك وجعل احتياجات الآخرين أكثر أهمية هو برمجة مقيدة ويمكنك التغلب عليها بممارسة العادة المضادة وهي وضوح الاختيار. إن عملية الوصول من المكان الذي أنت فيه لما تريد الذهاب إليه شبيه باستخدام تقنية تحديد المواقع في سيارتك أو هاتفك، فحتى يعمل يحتاج أن يعرف مكانك الحالي ثم وجهتك، وحين تكتب على شاشة الجهاز اسم موقعك يخطط لك النظام الملاحي مسارا مثاليا، وما عليك إلا اتباع التعليمات. ويحدث النجاح في الحياة بالطريقة نفسها، فكل ما عليك أن تنوي الذهاب لهدف ما، وتكون نيتك طيبة ورؤيتك واضحة عبر شحنها يوميا بالتصور الإيجابي والدعاء والتوكيدات، وسيواصل جهازك الداخلي الخاص كشف الطريق أمامك لتيسير استمرارك بالتقدم بشجاعة وتوكل على الله، وكلما ازداد تركيزك على الرؤية تحررت من مبرمجات الآخرين وتكشف طريقك الخاص أكثر.