صديقي .. ثمة أشخاص يمرون بحياتك هكذا بسهولة دون أن يتركوا لك شيئا يذكرك بهم، وإن كانوا أقرباء بل وحتى آباء وأمهات، كأن تخرج للعالم فيقال لك يتيم الأب أو الأم أو كلاهما، فتبدو مشاعرك نحوهما غامضة وملتبسة ومحايدة إلا من الفقد. وثمة أشخاص حين يرحلون يجعلونك تستعيد كل التفاصيل التي كنت تعتقد أنها تافهة ولم تعد تتذكرها، فتغرق بها ومعها، وتتركك محاصرا بالأسئلة، كوفاة أخي الأكبر، الذي كان ولأسباب ربما أنانية منا ربما أفضل له، تخلينا عنه جميعا بعد رحيل والدتنا للمصحة النفسية. حين بدأت أعي واقعنا الصغير بالبيت وبعض تصرفات أخي التي تخيف من حوله وكانت تضحكني قبل وعي، أخبروني أن والدنا حين أراد أن يخرج سيارته من «الحوش»، لم ينتبه لأخي أنه خلف السيارة فوطأت العجلة على رأسه، وكان عمره آنذاك 4 سنوات. منذ ذاك الحادث المريع وغير المقصود الذي ترك أبي لا يغفر لنفسه خطأه غير المقصود، فقد أخي عقله، أو هكذا كان يردد من حولي، وكنت وأنا طفل أشعر بحب جارف له، ثم أضيف له الخوف بعد أن بث كل من حولي البيت المدرسة المجتمع قصصا خرافية عن أولئك الذين يذهبون لعالم الجنون. رغم الخوف لم أفقد حبي له، فيما بعد أضيفت الشفقة، إذ كنت أتلصص عليه، بعد أن يغضب أحد منه أو يشتمه فينزوي وحيدا، لا أعرف بماذا كان يفكر، ولكنه في النهاية يرفع رأسه للسماء ويقول «يا رب»، فأشعر برعشة إلى الآن لا أستطيع تفسيرها، يارب ماذا.. لا يكمل. اليوم وأنا أهيل التراب عليه، أستعيد ذاك السؤال الذي طرحناه ونحن أطفال على أنفسنا حين تجتمع العائلة : «مين وده يصير مثل سعد»؟. وكان بعضنا يقول «لا، إن شا الله»، فيما الفتيات يقلن «الله يعافيه ولا يبلانا»، اليوم أستعيد إجابتنا وكيف الجميع لم يتمنوا أن يكونوا مثله. يقولون : إن المجنون مرفوع عنه التكليف، أي هو ذهب بصحيفة بيضاء إلى ربه.. هل رأيت كيف كنا لا نود أن نكون مثله، وحين رحل فإن الجميع يودون لو أن صحيفتهم مثله؟. التوقيع : صديقك. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة [email protected]