يبدو أن هذا زمن الانتشار الأكبر لرذيلة النفاق، حيث يتنافس يسار الغرب مع النظام الإيراني والقطري وأحزاب وميليشيات هنا وهناك، على تقاسم النفوذ على خارطة هذا النفاق الذي يتمدد دون هوادة. قطر، على سبيل المثال، تسحب جنسيتها من نحو 6000 مواطن أصيل من قبائل الغفران ثم تعقد الشيخة موزة مؤتمرا في جنيف يوضح نشاط مؤسسة (صلتك) القطرية في توظيف الشباب من مختلف دول العالم وبدون استثناء. المستثنون فقط هم أبناء البلد الذين سُحبت جنسياتهم وضُيق عليهم وأرسلوا إلى المجهول هم وأولادهم وبناتهم. وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يوزع ابتساماته (الإصلاحية والمتسامحة) حول العالم، بينما النظام الذي يخدمه يقتل مئات الآلاف في سوريا والعراق واليمن ويعيد هذه الدول قرونا إلى الوراء ويسحق بالفقر المدقع مواطنيه. اليسار الأمريكي يتفرغ لتفحص موقع (أبشر) السعودي على شبكة الإنترنت ويصفق لهاربة سعودية طائشة، بينما لا يرى ولا يسمع لا من قبيلة الغفران المظلومة ولا من مشردي ومعذبي الروهنجا ولا من الذين يموتون بالمئات على قوارب الهروب واللجوء. هذا نفاق عالمي غير مسبوق في حدود ما أعرف وخلال سني عمري التي تجاوزت الخمسين. الوقاحة ذاتها بدأت تشتكي من تفوق المنافقين الجدد، على مستوى العالم، عليها وسحب البساط من تحت أقدامها. لم يعد هناك حياء ولا تحفظ ولا مؤامرات تحت الطاولة، بل أصبح هذا النفاق على المكشوف وعلى عينك يا تاجر. هناك الآن مساحة هائلة لموهوبي النفاق ليتحركوا ويعملوا ويكسبوا على حساب مصالح الآخرين وحيواتهم ومصائرهم. النظام القطري يوسع الآن دائرة نفاقه الدولية بعد أن لم يعد بمقدوره أن يمارس هذا النفاق إقليميا بعد مقاطعته من الدول المتضررة من أجندته وكرمه في تمويل تنظيمات الإرهاب واحتضان قياداتها وسفهائها. وهو سيخسر استثماراته في هذا النفاق الدولي لأن الدول في نهاية المطاف تُغلب أمنها على مصالحها الاقتصادية والتجارية، ومهما طال بها أمد اللعب على مجموعة حبال يبقى حبل الأمن، لها ولشعوبها، هو الأبقى والأمتن.