سيارة من نوع «ميني باص» تحمل هوية إحدى الجمعيات الخيرية، إلى جانب اسم المتبرع الذي قدمها للجمعية وبشكل فج وعلى ثلاثة جوانب. طالبة ابتدائي تحمل على ظهرها حقيبة مدرسية، كتب عليها، وفي مكان بارز يمكن قراءته على بعد أمتار اسم المتبرع بخط واضح وبالألوان. هذا غيضٌ من فيض، ومثله كثير قد نراه ونلمسه في غير مكان. لست ضد إعلان التبرعات من باب صناعة القدوة، لكن مع احترام نفسية الشخص المتبرع له، ودون إيقاع الأذى عليه، وإظهار فقره وحاجته للتبرع، قد يبدو الأمر أقل ضررا بالنسبة للجمعيات الخيرية، لكن طريقة إعلان التبرع تشي برغبة المتبرع بإعلان تبرعه أكثر من حرصه على أداء مسؤولياته الاجتماعية، أو البحث عن الأجر. مرة شاهدتُ صورة لأحد العمال من شرق آسيا وهو يرتدي طربوشا للوقاية من البرد، وقد طبع عليه اسم الشخص الذي تبرع به، تخيلتُ أنه لو كان يعرف العربية لما وضعه على رأسه، فتحمّل البرد سيكون أهون عليه من تحمّل هذا الإعلان عن بؤسه الذي يحمله فوق رأسه، وعلى جبهته أمام الآخرين. هنالك دائما مسافة بين العمل الخيري، والمنّة، مسافة بينه وبين إصابة مشاعر من تذهب إليهم تلك التبرعات، يجب أن تبقى هذه المسافة عامرة باحترام المستفيد، وعدم جرح أو إيذاء مشاعره وكرامته، وصناعة القدوة لا تسمح لنا باستخدام ظهر طفلة كلوحة إعلانات لذواتنا بحب الظهور، ولا تسمح لنا باستخدام مقدمة رأس عامل لمجرد أنه لا يعرف اللغة لنعلّق إعلان خيرية مؤسساتنا أو حتى تعليق أسمائنا ليرى الناس كم نحن إنسانيون، وخيريون، ومتبرعون، وليعرفوا حجم سخائنا. السخاء الذي لا يصل إلا على ظهر الإعلان والفضيحة، هذا ليس سخاء، وإنما هو سخام، سخرية من كل قيم الإنسانية التي يفترض أن تكون هي الدافع للعمل الخيري الذي يريد وجه الله، ويبحث عما عند الله. هذه الآلية المقيتة للإعلان الخيري أشعر أنها تؤذيني أنا كمواطن أنتمي إلى مجتمع لديه أرقى مفاهيم الخيريات، قبل أن تؤذي أو تصيب من اضطرته الظروف للقبول بهذه التبرعات الملغومة بحب الظهور، والكبرياء المزيفة، والاستعراضية، ولو كان لي من الأمر شيء لمنعتُ هذه الاستعراضيات حتى وإن كانت تأتي أو تحاول أن تأتي تحت عنوان العمل الخيري، لأن الأذى التي تتركه أكثر مما تحمله من الخير.. هذا رأيي.