اطلعتُ على تغريدة لأحد الإخوة تضم صورة حقيبة مدرسية لتلميذة اضطرت أن تستخدم الأقلام الملونة لطمس اسم جهة التبرع المدون على ظهر الحقيبة بوضوح، بحيث لم تستطع الألوان إخفاءه، فيما كان صاحب التغريدة يُطالب المتبرعين ألا يُفسدوا تبرعاتهم بهذا الرياء الفاضح الذي يؤذي مشاعر المحتاجين، خاصة من الأطفال، ويظهرهم في الصورة الأدنى من أقرانهم. ومن المؤسف حقا أن كثيرا من الخيريات ما عادت تظهر أصلا إلا بحثا عن الصيت، واستدعاء لصورة المحسن الزور الذي يتقطع قلبه على المستضعفين، ويقرر أن يقاسمهم حلاله، في حين أنه لن يجرؤ على أن يُنفق ريالا واحدا دون أن يكون على رؤوس الأشهاد، في الوقت الذي يدعي أو يوظف من يدعي نيابة عنه أن يمينه تنفق ما لا تعلم عنه شماله خلافا للواقع، ودون أن يضرب أي حساب لمشاعر من يتصدق عليهم، فيسطو على مشاعرهم، ويؤذي أحاسيسهم، وما تصرف تلك الطفلة التي أرادت أن تُخفي اسم المتبرع، والذي كتب بنفس طريقة إعلانات شركات الرعاية على ظهور قمصان اللاعبين إمعانا في التشهير، إلا تعبيرا قد يبلغ حد الشفقة عن حجم الكسر في مشاعرها، والذي تركه هذا الاسم الممهور بخط النسخ على ظهر حقيبتها، بحيث لم تجد وسيلة لإخفاء الفارق ما بينها وبين رفيقاتها سوى استخدام قلم التلوين لطمس هذا الإعلان التجاري الذي يريد أن يرفع اسم المتبرع على ظهرها وعلى أنقاض كرامتها. ومن المؤسف أن جمعيات خيرية تفعل الشيء ذاته دون أي مراعاة لمشاعر من يضطرون لقبول خدماتها، وفي اعتقادي أن أي تبرع مشروط بمثل هذا الإعلان الفاضح كما لو كان ضربا من المعايرة بالفقر، عدمه أفضل من وجوده، وظهور الفرد بمظهر الفقير العزيز المتعفف، أفضل ألف مرة من تحويل ظهره إلى لوحة إعلان لحسنات من يصر على أن تركب حسناته على ظهور الناس ليعرف الجميع مدى ما بقلبه من الخير، حتى وإن تحطم قلب من يحمل صدقاته، لأنه في هذه الحال يفتش عن الصيت بين الناس قبل أن يبحث عما يعزز به رصيده عند خالقه، وانحياز مثل هذا الصنف للبخل وجمع الأموال لتكوى بها جباههم أجدى من إنفاق الفتات منها وبمثل هذه الإعلانات الرخيصة، وكم أتمنى لو أن وزارة الشؤون الاجتماعية قد درست هذا الأمر، وشرعت له الضوابط، وتعاملت مع مشاعر المحتاجين بما تستحقه من الكرامة.