المشكلة التي يعاني منها الكتاب هي قلة الإقبال عليه، وانصراف الناس عن القراءة؛ بسبب التأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي، التي شغلت الناس عن الكثير من السلوكيات الإيجابية، التي كان الناس يمارسونها بحب ومثابرة كالقراءة التي تراجعت دون شك أمام طغيان المد الإلكتروني، إلى جانب انشغال الناس بالعمل الذي يؤمن لهم العيش الكريم، في ظل الأزمات الاقتصادية التي يتعرض لها عالم اليوم، لتضغط على الناس بشتى الوسائل، ومنها ارتفاع تكاليف المعيشة في كثير من المجتمعات، حيث الضرائب وزيادة الأسعار في بعض وسائل الحياة التي لا يمكن للإنسان أن يستغني عنها، لكن وفي ظل هذه الظروف التي يمكن أن نضيف إليها التقدم التقني في العالم الذي طال عالم الطبع والنشر والمكتبات، فهل الكتاب الورقي في خطر الآن وفي المستقبل؟ هذا السؤال يتكرر دائما في المناسبات الثقافية، دون أن تكون الإجابة عليه حاسمة، رغم الهجوم الذي يتعرض له الكتاب الورقي من الكتاب الإلكتروني الذي تتبناه الأجيال الجديدة وتعتبره الرهان الرابح لمستقبل الكتاب، لكن هناك من المهتمين بالنشر الورقي يرون أن اليوم الذي يمكن أن ينتهي فيه الكتاب الورقي من التداول لا يزال بعيدا، وخاصة في بلاد العالم الثالث التي تعيش وفق منظومات ثقافية تقليدية تجد في الكتاب الورقي مسرحا لا بديل له للممارسة الثقافية، ونقل الثقافة عبر الكتاب الورقي بالدرجة الأولى، حيث لا تزال المطابع تدفع لسوق الكتاب ملايين النسخ لملايين العناوين في العالم، كما لا تزال معارض الكتب تقام دون أن يمنعها النشر الإلكتروني من الاستمرار، حتى أصبحت لهذه المعارض مواسم ينتظرها المثقفون بفارغ الصبر، ويرحلون إليها ليعودوا منها محملين بعشرات الكتب الورقية، وهذه هي الحالة الراهنة، ستظل قائمة في الوقت الراهن، في المستقبل المنظور، أما بعد ذلك فالأمر مختلف. المكتبات المنزلية على سبيل المثال بدأت تتقلص، أو تكاد تنعدم في منازلنا، وبعضها توجد لتكون مكملة لديكور المكان في منازل بعض الميسورين من الناس، والإقبال على المكتبات التجارية أصبح مقتصرا في الغالب على شراء الأدوات المكتبية وليس الكتب، وعادة القراءة في الأساس لا تشكل هاجسا ملحا لدى الأسر التي كانت في السابق تزرع عادة القراء في نفوس أبنائها وبناتها منذ نعومة أظفارهم، كل هذه المؤشرات تؤدي إلى نتيجة واحدة هي أن الاهتمام بالكتاب الورقي لم يعد كما كان سابقا. ثم أن الكتاب الورقي يحتاج إلى مكان، بينما أحدنا الآن يمكنه أن يحمل في جهاز جواله ما لا يحصى من الكتب الإلكترونية، ويتصفحها متى ما شاء وفي أي مكان أو زمان يريد، فكيف لا نتوجس من خطر الكتاب الإلكتروني على الكتاب الورقي الذي لا يزال يتمتع بحظوة لدى بعض القراء في هذا الجيل، لكن ماذا بالنسبة للأجيال القادمة، خاصة مع تراجع كميات النسخ المطبوعة من كل كتاب ورقي يصدر الآن، ويقول أحد الناشرين إن الكتاب الذي كان يطبع منه عشرة آلاف نسخة، فإنه لم يعد يطبع منه سوى ألف نسخة، يستمر تسويقها لسنوات، وهذه الصورة المظلمة للكتاب الورقي لا تبشر بالخير لأصحاب دور النشر، خاصة مع اتساع رقعة القرصنة للكتب، وغياب الأنظمة التي تحول دون الحصول على الكتب مجانا عبر بعض المنصات الإلكترونية التي تكتفي بتحويل الكتاب إلى نسخة (بي.دي. إف)، أو تصوير صفحاته وتنزيلها في واحدة من هذه المنصات المتخصصة بنشر الكتب، مما يشكل خسارة فادحة لدور النشر، ويؤثر سلبا على سوق الكتاب بصفة عامة، وهو الأمر التي تجأر بالشكوى منه كل دور النشر في العالم. بعد كل ذلك، أليس من حقنا أن نسأل: هل الكتاب الورقي في خطر؟.