في الوقت الذي تضج فيه أبواق السوء ومنصاتها متعددة الجنسيات، بالمناحات وتحيي بكائيات «تفطر القلوب» أسى ولوعة، وتنظم «لطميات» متنوعة، عابرة للقارات والثقافات، في منابر ضجيج صخابة مخصصة للنواح على المرأة السعودية، وتصويرها على أنها تعيش الجحيم والضياع والتهميش، كرمت مجلة «سيدتي» 21 مبدعة سعودية في مجالات عديدة، في حفل نظم يوم الأحد برعاية سمو أمير المنطقة الشرقية. وقبيل حفل «الإبداع والتميز» نظمت ندوة بإدارة رئيس تحرير المجلة، محمد الحارثي، حول دور المرأة وتمكينها، وناقشت الندوة محاور وقضايا وهواجس وآمالا، لكن الكل يجمع على أن المملكة والمجتمع بأكمله، يمر بمرحلة تحول نوعية تاريخية، تصبح فيه المرأة عنصراً فعالاً في التنمية الشاملة اقتصادية واجتماعية وفكرية. والمرأة مبدعة وأكثر عطاء وأكثر تنظيماً، وأكثر قدرة على التعلم والإلهام. وحفل التكريم نظم للمرة الرابعة، وكرم عشرات المبدعات السعوديات، وطبعا ليس كل المبدعات، فلدينا آلاف من الملهمات في كل مجال، وإنما الجائزة رمزية لإبراز عطاء المرأة وإنجازاتها، في الوقت الذي فيه كثير من اللائي امتهن الضجيج والصراخ والتجني وهندسة الحوادث (أو اختلاقها) حول أوضاع المرأة السعودية، يعجزن أن يبدعن أكثر من أن يكن أذرعاً صخابة لمكائن وطروحات سطحية، تقدم «عروضاً» جماهيرية براقة، باسم الحقوق والحريات، لكنها، في الحقيقة، دعوات ذرائعية صورية، تحول المرأة إلى سلعة جماهيرية، فأي دعوة لأدلجة حقوق المرأة (وحتى الرجل)، ليست أكثر من سوق مبايع ومزادات للشعارات السياسية أو حب الظهور الشخصي والرفاهية الفكرية. ست مكائن أيديولوجية عالمية، تدعمها دول ورؤوس أموال ضخمة، توجه سهامها إلى المملكة، لأسباب أيديولوجية وسياسية. واتخذت من حقوق المرأة ذريعة لتصفية الحسابات، والدليل تصوير هرب مراهقة سعودية أو اثنتين (أفراداً) بأنه فتح مبين، وخروج من الظلمات إلى فضاء النهار والشموس وجنان الدنيا. وهذه خدعة ماكرة، تصل إلى حد جريمة استدراج المراهقين، وتوظيف لتصفية الحسابات، إذ لم تخبر الماكينات، أن المراهقات هربن إلى مجتمعات، فيها الروائع، وأيضاً فيها المآسي، وتنتحر فيها النساء جماعات (وليس فرادى) بالآلاف سنوياً، لأسباب متنوعة أولها العنف المنزلي؛ مثلاً تنتحر 1400 أمراة بريطانية سنوياً، أغلبهن مراهقات، عدا محاولات الانتحار الفاشلة ومحاولات الهروب. وفي كندا حوادث انتحار سنوية تقارب هذا العدد، وضحايا الانتحار الفرنسيات ضعف العدد، وتتعرض ثلث الألمانيات للضرب، ونصف المراهقين في ألمانيا فكروا بالانتحار. والذي يود التحقق عليه أن يقرأ إحصاءات منشورة. واضطرت الحكومة البريطانية إلى تعيين وزيرة «انتحار» العام الماضي. وهذا يؤكد أن المرأة تعاني في كل مكان وتحت كل سماء، ولا توجد جنة للمرأة في أي مكان. والسعودية ليست استثناء، إذ توجد سعوديات يواجهن مشاكل أيضاً، لكنها ليست أكثر ولا أعنف من المشاكل التي تكابدها نساء أوروبا. لماذا، إذاً، يصور هرب مراهقة سعودية أو اثنتين، على أنه قضية كبرى تتطلب مناحات صخابة، وتستخدم لوصم المجتمع والبلاد والثقافة والدين، بينما انتحار «آلاف» المراهقات، لا أحد يتحدث عنهن وكأنه تمشية في كافيهات الشواطئ أو سهرة في مرابع النخبة وحفلات مدن النيون الباذخة. ٭وتر أنت الوطن.. دفئاً.. وفؤاداً.. ومما اختلجت الشطآن.. وحداء القوافل.. وعبق الواحات وخزامى الوادي الخصيب. [email protected]