مثلت ردود الأفعال على مقتل خاشقجي، وهرب المراهقة رهف دلائل واثباتات حية وموثقة أن المملكة مستهدفة، سياسياً واجتماعياً، وأن أعداءنا يتقصدون وحملاتهم مجرد تباريح نفسية وقيح أنفس مريضة مولعة بالسوء. ومن حسن الحظ أنهم يؤدون عروضا سطحية وحججهم مفلسة وأوهى من بيت العكنبوت. لهذا يتصيدون الحوادث الفردية، ويكبرونها ويعممونها ويلبسونها عناوين ضخمة وكأنها مأساة التاريخ. في تقرير صحفي، كتبت صحفية «عالمية» أن رهف، «سوف تبدأ تعلم التسوق»، وأوردت قول إحدى «النعاج» الضالة في فتنة الشعارات، أن خطوة رهف، مثل الانتقال إلى «كوكب آخر». طبعاً ليس أكبر من هذا سطحية ولا أفظع جهلاً مريعاً، والمرمى تصوير رهف على أنها قادمة من كهوف الغابات. ولم تسأل الصحفية «العالمية» الهمامة، إذا كانت الفتاة هربت من الكهوف ولا تجيد التسوق، كيف لها أن تملك هاتفاً عصرياً وتستخدم «تويتر» وشبكات التواصل باحترافية. وكانت ترتدي أحدث الملابس العصرية حينما حطت في تايلند. و لزيادة «البهارات» والإثارة، تصور التقارير الغربية كأنما رهف قد خلعت الجلود الماعز ورأت لأول مرة الناس والكهرباء والسيارات والشوكلاته والتلفزيون. وهذه الصورة لا ينتجها الصحفيون الغربيون فقط، وإنما أيضاً يشارك ب«تلوينها» خراف العرب الذين يسكنون أوروبا وأمريكا، ومنهم عجوز تدعى منى الطحاوي، وهي صخابة كثيرة الضجيج، من أيتام أوباما، ومخلفات وصايا جون كيري، وتتميز فكرياً بالضحالة وتتمتع بعقلية رجعية فوضوية تعود إلى عصر ما قبل الدول، تهوي بالإنسان إلى حضيض البدائية، وهذه النوعيات تعتاش وتترزق بالضجيج واختطاف المراهقات من أحضان أسرهن ورميهن في أتون النار، بعناوين مطاطة لامعة قابلة للتهييج العاطفي والبكائيات والنواحات، مثل «تحرير المرأة». ولو أن الطحاوي واضرابها يملكن فكراً مستنيراً، لما لجأن إلى ضجيج المزادات الذي لا يعزز أية قضية إنسانية حقيقية. وهن في الحقيقة مجرد «صدى» لخطابات لا يبدو يفقهن فلسفتها بإدراك خلاق، حتى تحولن إلى «آلات» سياسية انتقائية مريضة وسيئة الأداء، ضد دول بعينها وأشخاص بعينهم، دعك من حكاية الحقوق. «الحرية» شعار عريض طويل، يستخدمه حتى المتاجرون بالبشر، والمافيات وقطاع الطرق. وأحياناً يختلط على المرء التفريق بين الذي يستخدم الشعار لنشر الجريمة وبين الذي يستخدمه لتعزيز كرامة الإنسان. ولو أن الطحاوي وأضرابها يتحلين بفكر موضوعي راشد، لعلمن أن الواقع يقرر أن تحرير المرأة كذبة وخرافة عالمية، وأن عذابات المرأة مقيمة في كل مكان ولا توجد جنة للنساء على وجه الأرض، وأن مشاكل النساء في كل الدنيا متشابهة، ودموعهن تجري أنهاراً في كل خوارط العالم، مع وجود نسبيات هناك وهناك، لا تشكل، في رأيي، فرقاً جوهرياً، إذ، ويا لسخرية الأقدار، تتجاور منافع المرأة وعذاباتها في كل أرض وتحت كل سماء، من هانوي، مدينة النار، حتى شطآن كاليفورنيا الباسفيكية، مروراً بكل الدنيا وشعابها. إذا كانت السعودية جحيماً للمرأة، ما بال ملايين السعوديات يسافرن سنوياً إلى الخارج للسياحة أو الدراسة أو العمل لسنين، ثم يعدن إلى «الجحيم»؟. وما بال ملايين أخرى من النساء الاجنبيات يعملن في المملكة وبعضه يمضين سنين طوالاً بإرادتهن الحرة؟. ربما كل هؤلاء الملايين مصابات بلوثة عامة وبمرض تعذيب النفس، ولم يتسن للطحاوي وأيتام أوباما انقاذهن من مخالب «الوحش»، فيما الوحوش تتجول جذلى في كل فج عميق. *وتر هل رأيتم عذابات اللاجئات؟ إذ تتدفا الثكالى المتعبات بلهيب الأقدار وأوجاعهن ويقاومن عار التاريخ بدموعهم والجنائز.. فيما ملهمات الضجيج منشغلات بالصدى وألوان المناكير وترف النخبة