تم مؤخرا على تطبيق تويتر تداول وسم (هاشتاق) بعنوان (ما أسباب القطيعة بين الناس؟). والموضوع يحتاج إلى أكثر من مقال لمناقشة مثل هذه القضية المهمة التي قد لا تخلو منها أسرة أو علاقة عامة أو خاصة بين الناس. ولعلي أشارككم بعضا مما لمست من الحياة ومما قرأت. وأختصر أسبابها الرئيسة ابتداء لأننا نعيش زمن السرعة أو لأولئك الذين لا يصبرون على القراءة! وهي إما بسبب المال، أو اللسان، أو الحسد. والعلاقات بين الناس تبدأ بذوي القربي لأنهم الأدنى للإنسان، ثم تأتي بعد ذلك العلاقات العامة والخاصة من أصدقاء أو زملاء. وبالنسبة للعلاقة بين الأقرباء تكون باقية وطويلة، ولا يستطيع الإنسان أن يخرج منها، وهي من أشدها حرجا عليه لأنه حين يقطعها يكون قطع القرابة ثم العلاقة. وأقل ما يقال في جانب العلاقات الأسرية والأقرباء إذا لم تحسن إليهم، فلا أقل من ألا تضرهم أو تسيء إليهم!. ولعلي أشير عرضا إلى نقطة جدا مهمة وهي أن قوة الروابط الأسرية وتماسكها من الانقطاع هو الحصن الأول في الحماية من الانجراف نحو التطرف الفكري أو الانحلالي، وكذلك العزلة النفسية والجسدية خصوصا لدى المراهقين. ومن أهم الأسباب في قطع العلاقات بين الناس الأمور المادية، فهي تعني الكثير لدى الأغلبية من الناس، وكم من خصومات وأواصر تحطمت وتفككت بسبب عشق المال. صحيح أن الإنسان بطبعه مجبول على حب القناطير المقنطرة من الدنانير والدراهم والريالات، ولكن هل المحصلة الأخيرة تساوي خسارة الجانبين الأسري والإنساني في العلاقات مقابل المادي؟!. والمال يعوض عند الخسارة، ولكن تعويض الأشخاص المقربين ليس بتلك البساطة والسهولة خصوصا بعد جروح يبقى أثرها شاهدا حتى بعد التئامها! الأمر الآخر هو تأثير اللسان والكلام المباشر إلى الأشخاص دون الحذر، فليس كل ما يخطر على ألسِنتنا نقوله دون أن يمر على عقولنا وقلوبنا أولا، وزلة اللسان كارثية على بعض القلوب. وكم من عداوات اشتعلت وعلاقات انقطعت بسبب كلمة انطلقت وكان عليها أن تبقى حبيسة الفم أبدا. وكم قرأنا وسمعنا من مواقف شديدة التعنت وخصومات طويلة الأمد بين جهابذة في العلم والأدب كان سببها كلمة قيلت أو نقلت أو بسبب تجاهل في موقف، ولكن يجري على مثل هؤلاء ما قيل: كلام الأقران يطوى ولا يروى!. وقيل أيضا: المعاصرة حجاب. ومن الأسباب كثرة نقل الأقاويل من غير تمييز ولا تمحيص، بل الأغلب منا ينقل الكلام بالمعنى لا بالنص (المتن) ويخطئ أيضا في ذلك! وهنا تتفاقم المشكلة بتغيير القصد من الكلام لينتج عن ذلك سوء الفهم. والغالب من الناس يتساهل في نقل الكلام على عواهنه أحيانا عن قصد! أو أحايين بغفلة وسذاجة. ومن أسباب القطيعة بين الناس الحسد الذي يأكل جوف الحاسد قبل غيره. وقد روي عن ابن تيمية -رحمه الله- أنه قال: «وما من قلب إلا فيه شيء من الحسد، ولكن الكريم يخفيه، واللئيم يُظهره». ومشكلة الحسد الرئيسة أنه شيء نفسي بحت، فقد يكون الواحد منا مليئا بالنعم من حوله ولكنه يركز على المفقود عنده والموجود عند بعض الناس. وإذا كان شغل الإنسان الشاغل المفقود (لماذا فلان ولست أنا!) ونسيان الموجود، فقد فتح على نفسه باب الأحزان والهموم المتواصلة، وخسر نفسه وعلاقاته بالآخرين. وقد قيل: أسعد الناس أقلهم انشغالا بالناس. وقيل لأعرابي وقد بلغ من العمر مائة وعشرين سنة: ما أطول عمرك! فقال: تركت الحسد فبقيت!! والعلاقات مع الناس كالمشي على الزجاج أقل خدش قد يكسره!