الكلمة بكل حدودها ومعانيها مسئولية كبيرة والتزام أدبي وأخلاقي يصوغها الفكر الناضج والطرح المستقيم والنوايا الحسنة. والكلمة حينما ترتقي إلى هذه السمات، وحينما تطوقها ملكات الإدارة الشخصية المتمكنة القادرة على وضعها في إطارها الصحيح؛ فإنها عند هذا الحد تزهو بجمالها وتصل إلى هدفها بكل يسر وسهولة خالية من جُمل ولغط الحديث ومن مكدرات صفو العبارة. وفي إطار مضمون وأهمية الكلمة التي تمثّل أداة التواصل الرئيسة في كل شأن من شؤون حياتنا؛ والتي يُرتكز عليها للتعبير عما يدور في نفوسنا نجد أننا دائماً نكون مرتهنين لنتائج ووقع كلماتنا إن كان سلباً أم إيجاباًً. ومن واقع هذه الأهمية للكلمة فقد تحدث خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله – عن أهمية الكلمة وأثرها وتأثيرها، وذلك في ثنايا خطابه أمام مجلس الشورى في إشارة إلى أصحاب الكلمة من الكتّاب وغيرهم؛ داعياً إلى النقد الهادف الداعي إلى الإصلاح وبما يفيد المجتمع مسئولاً أو مواطناً؛ والابتعاد عن الغمز واللمز وإلصاق التهم أو النقد المثير للقلاقل أو الإضرار بالمجتمع، أو التعرض لأي كان مسئولاً أو مواطنا بنشر أخبار أو كتابة مواضيع غير صحيحة أو غير موثقة أو الافتراء عليه. أمانة وتأثير وفي سياق هذه الكلمة التوجيهية لخادم الحرمين الشريفين قال هاني بن إبراهيم المشيقح بأن الكلمة أمانة ولها تأثيرها الكبير على المجتمع بجميع شرائحه، مشيراً إلى أن ديننا الإسلامي حث في تعاليمه السامية بأن يكون المسلم صادقا في حديثه يخشى الله في كل كلمة يقولها. وأضاف ان كلمة خادم الحرمين الشريفين جاءت متناغمة مع هذا المفهوم لتحقق هذا الهدف الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى، كما جاءت صادقة العبارة خالية من التكلف مخاطباً المجتمع بكل فئاته وشرائحه أن يتقوا الله فيما يقولون؛ذلك أن الكلمة لها خطورتها على المجتمع وقد تكون تلك الكلمة سببًا في اختراق صفوفنا وسببا في تلاسننا مع بعضنا وسببا في التباغض والكره إن هي جاءت على غير اتزانها. وأشار إلى ان ما نراه اليوم في الساحة وعبر وسائل الإعلام المختلفة وغيرها من مخاشنات وملاسنات واتهامات ما هي إلا بسبب افتقارنا إلى أمانة الكلمة التي لو تحققت لارتقينا بفكرنا وبمعالجتنا لقضايانا وبأطروحاتنا وبحواراتنا مع بعضنا ولكننا للأسف الشديد نطلق هذه العبارات جزافاً دون أن نراعي ما تحمله من مضامين؛ ودون أن نتأكد من مصداقيتها وبالتالي وجدنا في الآونة الأخيرة من يكيل الاتهامات الخطيرة ومن يكفّر الناس ومن يتهم الآخر بدون دليل أو برهان، موضحاً أن لو أدرك كل إنسان أن هذه الكلمة أمانة وأنها محسوبة عليه لتوقف كثيراً قبل أن يصدرها. هاني المشيقح تعليقات النت وبين المشيقح أن ما يكتب عبر الإنترنت من مقالات وتعليقات كثير منها مزعجة ومؤسفة، وتصدر غالباً من ضعفاء الإيمان الذين لا يراعون الله ولا يراعون الناس فيما يكتبون، لذا نجد تلك الاتهامات الموجهة إلى المسئول وإلى العالم وإلى الصغير والكبير دون الوقوف عند هذه الكلمة والتحري من مصداقيتها، مؤكداً على أننا بحاجة إلى توعية وإلى معالجة النفوس بمصداقية بعيداً عن الأهواء والتعصب والتحزب وبعيداً عن كل ما يورث الكره والعداوة بيننا كأفراد مجتمع. وقال من الصعب جداً أن نعالج أي خلل ما لم نعترف أن هناك مشكلة وهناك آفة وهذا ما شخصه خادم الحرمين الشريفين، ومن هنا يجب أن تكون كلماته منطلقا لنا في كل حواراتنا ومناقشاتنا مع بعضنا. الحياة كلمة! وقال د.محمد بن علي السويد عميد كلية المجتمع بجامعة القصيم ان الكلمة هي الحياة، وهي سبب النجاح أو الفشل، وهي عنوان السعادة أو الشقاء، موضحاً أن للكلمة سلطاناً على علاقة المرء بمن حوله؛ فربما تقدمه بين الناس وربما تجعله منبوذاً .. يقال ان حكيماً قال: "لم أندم مرة على سكوتي ولكني ندمت مراراً على كلامي!"، وقال تعالى "وما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد"؛ فلو استشعر الإنسان هذه الآية لتوقف كثيراً ولتردد مراراً قبل أن يلفظ بكلمة واحدة، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن العبد يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها سبعين خريفاً في النار. لمز وغيبة وأضاف "د.السويد" إنك لتعجب من أناس يطلقون لألسنتهم العنان تلمز فلاناً وتسخر من آخر وتسب وتغتاب وتمشي بالنميمة وتقذف الأعراض وتتعدى على المحرمات وتكذب وتلوك بشتى الألفاظ البذيئة؛ كل ذلك من مجرد كلمات تنطلق من هذا العضو الذي يراه كثير من الناس بأنه أضعف شيء في أجسادهم؛ وربما تناسوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة"، مشيراً إلى أن الفرق بين الإنسان العاقل المتزن والإنسان الأحمق المتهور والكلمة الطيبة والكلمة المشينة هي بضعة أحرف تنطلق من اللسان؛ ولو أحسن الإنسان التحكم فيها لانتقل من المستوى الدنيء إلى المستوى الرفيع. د.صالح التويجري أثر الكلمة الطيبة وقال د.صالح بن عبدالعزيز التويجري من جامعة القصيم إن الكلمة الطيّبة مغنَم، والكلِمة الخبيثة مأثم، وقد ضرَب الله لهما مثلاً وشبَّه لهما شبهًا:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخرِ فليقل خيرًا أو ليصمُت)) متفق عليه، وبِتركِ الفضول تكمُل العقول، والخَرس خيرٌ من التفوُّه بالباطل، والبكمُ خيرٌ منَ النّطقِ بالكذِب والزّور، وشرّ الناس مائِلٌ بمقاله مميلٌ بلسانِه مُبطِل بكلامِه، وشرّ الكلام ما خالَفَ كتابَ الله وسنّةَ رسوله ممّا تنبو عن قبولِه الطِّباع وتتجافى عن استِماعه الأسماع، وعثراتُ القولِ طريقُ الندَم، والمنطِق الفاسِد الذي لا نِظام له ولا خِطام عنوانُ الحرمان ودليل الخذلان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ العبدَ ليتكلَّم بالكلمةِ ما يتبيَّن فيها يزِلّ بها في النارِ أبعدَ ما بين المشرق والمغرب)) متفق عليه. مكانة الكلمة ويشير د.التويجري إلى عِظم الكلمة ومكانتها بأن البدء كان كلمة .. والكلمة تشرف بمبناها ومعناها، ولقد خلق الله الكون بكن، وخلق آدم بيده تشريفاً له.. والكلمة بحسب قائلها، ومقاصدها وحروفها، الكلمة مسؤولية.. الكلمة حتف أو شرف.. الكلمة بناء أو هدم.. الكلمة بداية السلم وبداية الحرب.. فكم من كلمة أفرحت، وأخرى أحزنت، وكم من كلمة فرقت وأخرى جمعت، وكم من كلمة أقامت، وغيرها هدمت، وكم من كلمة أضحكت، وأخرى أبكت، وكم من كلمة انشرح لها الصدر وأنس بها الفؤاد وأحس بسببها سعة الدنيا، وأخرى انقبضت لها النفس واستوحشها القلب وألقت قائلها أو سامعها في ضيق أو ضنك، فضاقت الدنيا على رحبها والأرض على سعتها، فكم من كلمة واست جروحاً، وأخرى نكأت وأحدثت حروقاً. وقال إذاً نحن بحاجة ماسة لأن نحلل مقاصد كلمة خادم الحرمين الشريفين حين يؤكد على مسؤولية الكلمة، فهو الملك الذي يعيش هم الوطن والأمة، الملك الذي تقرأ كلماته بمفاهيم، وهو الذي أدرك حجم المملكة وحجم المرحلة وخطورة التعامل مع وسائط العصر، وقنوات التواصل، مشيراً إلى أن الكلمة لم تعد حبيسة جلسة أو طي أوراق، إنها تجوب العالم بضغطة زر.. إن العالم بأطيافه وأصنافه وتوجهاته وأجناسه يؤكد أهمية التريث حين الحديث.. واختيار الزمان والمكان والهدف الذي تقال فيه ولأجله الكلمات.. قال تعالى:(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً). تبعات الكلام يقول د.التويجري مخاطباً رواد الكلمة: أيها المتحدثون، علماء وأدباء ومفكرون وأساتذة ومعلمون.. أيها الكتاب في الصحف والمجلات والخطباء، ليست الكلمة عبئاً تلقيه عن كاهلك، ولكنها تبعات الكلام والصمت في آن واحد، ولذا فإن مآلات الخطاب واستحضار المفاهيم التي سوف تستقبل الحديث دون أي تحكم في تصنيفها أو التدخل في مفهومها يستوجب منا معاشر المتحدثين مزيداً من الحيطة والحذر، وليس الصمت بأقل خطراً من الكلام، فإن ثمة وقائع وأحداثاً تستدعي التصريح بكلمة تقطع دابر الخوض، وإفصاحاً يلغي منابع الظن والجدل، فما أجمل الصمت في حينه والكلام في حينه.. ولقد فوت الصمت مصالح كثيرة.. كما فتح الكلام أبواباً مغلقة، وعلى قدر مقام الإنسان تكون مسؤولية الكلمة، ولقد كان السلف يلاحظون عند الإجابة حال السائل والمسألة والحضور، فليس الشأن بأن تجيب أو تتحدث، ولكن ماذا عن توظيف الكلمات؟. وأخطر ما تكون الكلمة حين تتعلق بالقضايا الكبرى، أو مصير الناس في مالهم وأمنهم وصحتهم.. أما حين يكون الحديث توقيعاً عن رب العالمين في شأن الحلال والحرام والفتوى فهذا موكولٌ لأهل العلم والرأي السديد منعاً لفوضى الفتوى في الشأن العام. ولقد كان لثورة المعلومات والاتصالات والقنوات إسهامٌ كبيرٌ في خطورة سريان الكلمة وتفعيلها، وتصعيدها، وصداها بين فئات من الناس والأقطار تتقاسمها كلّ فئة في حصتها حسب الشراكة والتأثر، فلم يعد العالم محصوراً في زوايا، وإنما جهاز الاتصال منبرٌ يفتحك على العالم في ظل ثانية، والله تعالى نهى عن السخرية والتنابز والتوجس وسوء الظن حين قال:(يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً..الآية)؛ وأمر عباده أن يقولوا التي هي أحسن (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم). ولقد أيس الشيطان أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن قنع في التحريش بينهم، فلنتق الله في أنفسنا وأهلنا ووطننا وأمتنا، ونستذكر قول الشاعر: وكل امرئ ما بين فكيه مقتلُ إذا لم يكن قفلٌ على فيه مُقفَلُ فذاك لسانٌ بالبلاء موكل فدبر وميز ما تقول وتفعل لسان الفتى حتف الفتى حين يجهل وكم فاتح أبواب شر لنفسه إذا ما لسان المرء أكثر هذره إذا شئت أن تحيا سعيداً مُسّلَّماً ثقافة الوعي وقالت د.نورة إبراهيم الظويهر وكيلة الشؤون التعليمية بكلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بجامعة القصيم إننا حينما نتحدث عن الكلمة؛ فإنما نتحدث عن مدلولات كثيرة ومتعددة والكلمة وسيلة للتعبير عما يريده الإنسان وما يحب أن يصل إليه، وهي وسيلة التواصل بين الناس والأهم من ذلك أن هذه الكلمة أمرها وخطرها في جسم الأمة خطير إذا صدرت من صاحب هوى أو متملق أو منافق أو كذاب، لذا جاء الشارع الكريم يحث على صدق وأمانة الكلمة لما لها من أهمية في بناء المجتمع وإيجاد العلاقة الصادقة بين أفراده. وأضافت أنه في وقتنا الحاضر أجد أن أمانة الكلمة مطلب ضروري وعلينا كمربين وكآباء أن نعتني بأمانة الكلمة، ولعلنا نستأنس بما أشار إليه خادم الحرمين الشريفين من أهمية نشر ثقافة الوعي العام بيننا، وأن نخدم الكلمة ونخشى الله سبحانه قبل أن نطلقها جزافاً على الكبير والصغير وعلى العالم والمتعلم دون التأكد من هذه الكلمة؛ حتى للأسف أن بعض الناس أصبح ديدنه إطلاق تلك العبارات المسيئة التي سوف يسأل عنها أمام الله سبحانه وتعالى؛ ولا شك أن للعلم أثره الكبير لاحترام الكلمة ومصداقيتها وهذا ما يجب أن نؤكد عليه في مدارسنا ومؤسساتنا وجامعاتنا بأن نكون صادقين في أقوالنا وأن نراعي الله في كل ما نقول.