أعجبني تقرير بثه برنامج إم بي سي في أسبوع عن بعض الحكم والأمثال المتعارف عليها بين الناس، وكان التقرير بعنوان «صدر الشمالي أوسع من الكون» وكان عبارة عن مقلب يدعيه المذيع مع بعض الأشخاص من الشمال، ليحاول إثارتهم واستفزازهم لعله يثير غضبهم، إلا أنه وجد أن هذا المثل متطابق إلى حد كبير مع أهالي الشمال. عموما شوقني هذا التقرير لأن أكتب عن الأمثال والحكم وكيف كان لها الأثر الكبير بين الناس؟ فعادة ما تمر به الأمم عبر السنين ومن خلال اللهجات التي تدخل عليها لتتغير وتتمازج مع كلمات ومصطلحات جديدة حسب المؤثرات الموجودة بها، وقد تفنن الأقدمون في صياغة أجمل الحكم والأمثال لهم ولأبنائهم ولمن بعدهم، وبعض تلك الأمثال والحكم تكون جدية صرفة وبعضها فيه نبرات الاستهزاء والنكتة، وبعضها قُصد به الفائدة والاستنتاج فقط. وقد خلد لنا الزمن أمثالا وحكما كثيرة قيلت أثناء مواقف حدثت سواء كانت تلك المواقف حسنة أو سيئة، وبعض هذه الحكم والأمثال تلاشت وضاعت ولم تصل لنا إما بسبب عدم رواجها وتداولها بين الناس أو لأنها لم تُستسغ في حينها مما جعل الناس يتركونها وبذلك تلاشت وانتهت، أما الحكم والأمثال التي نالت استحسان كثير من الناس فإنهم حفظوها وتداولوها بسبب إعجابهم بها وأن فائدتها كبيرة لهم فتوارثوها بينهم حتى وصلت لنا، وكل وطن أو منطقة اشتهر بأمثاله وحكمه فمن الممكن أن تجد حكماً وأمثالاً متشابهة في المعنى إلا أنها مختلفة في الصياغة واللهجة، ولكن هل استخدامنا الآن لهذه الحكم والأمثال كالأزمان السابقة؟ بالتأكيد «لا» لأنه من النادر أن تجد منا من يحفظ حكماً وأمثالاً كالسابقين الأوائل، وبذلك أخشى أن تتلاشى هذه الحكم والأمثال الجميلة مابين عقود قريبة وتصبح حبيسة الكتب لا يتداولها إلا القلة القليلة من الناس، ومن المعلوم أن الأقدمين كانت أغلب أحاديثهم عبر الحكم والأمثال لأنهم يعدون ذلك مدرسة من مدارس حياتهم اليومية التي قد يستفيد منها أولادهم وذووهم ومن حولهم، إلا أنه ومع الأسف اختفت كثيراً هذه المدرسة الجميلة بسبب المتغيرات العصرية الجديدة، وأصبح من يتحدث بالأمثال والحكم يُعدُّ متأخراً أو غير متحضر، لأن الزمن تغير وأصبح كثيرون لا يستخدمون أو يحاولون حفظ الحكم والأمثال إلا النادر منهم، ولعلي أورد هنا بعض الأمثال التي كانت دارجة في الماضي وما زال بعضهم يستخدمها ولكن ليس على نطاق واسع كما في السابق، ولكنها كانت تلامس الحقيقة وتصور لنا الأمور قبل حدوثها: وقيل إن الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال «من كتم سره كان الخيار في يده»، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه «يكفيك من الحاسد أنه يغتم يوم سرورك»، وهذه نصيحة لنا بالابتعاد عن الحسد والحقد، وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه «أشد الأعمال ثلاثة: عطاء الحق من نفسك، وذكر الله على كل حال، ومواساة الأخ في المال». ومن الأمثال والحكم الدارجة التي وصلنا بعض منها «أول الحزم المشورة»، وهذا يوضح أهمية الاستشارة في الأمور المهمة، كذلك «التعبير نصف التجارة» وعكسها «الحياء يمنع الرزق»، وهذا يدلل على أهمية تعلم حسن الكلام وأجمله واستخدامه أثناء متاجرتك لتكسب قلوب الآخرين، ومن الأمثال التي تبين ألم الإنسان عندما يوشي به صديقه أو يتحدث فيه بما لا يليق. قيل في هذا الشأن «طعن اللسان كوخز السنان»، والمثل الذي يقول «كثرة العتاب تولد البغضاء»، وهذا واقع فعلا فإذا أكثرت العتاب على ابنك أو صديقك أو الذين يعملون معك فلا تتنظر منهم إلا أنهم يكرهونك ويبغضونك، ومن الأمثال الجميلة التي لها معنى كبير: «لا تكن صلباً فتكسر»، «ولا رطباً فتعصر»، وهذه دلالة على أن الوسطية في كل شيء أمر محبب وأنه يجب أن يكون الإنسان مابين التشدد واللين حتى يصبح متوازناً في أغلب أموره، وقيل «اللي ما يعرف الصقر يشويه»، وهذا المثل يطلق على جهل بعض بأمور لا يفهمونها ولا يستطيعون القيام بها، فعليهم ترك مايعنيهم ولا يخوضون فيه، وقيل أيضاً «الرجال مخابر، ماهي مناظر»، وهذا المثل سبقنا فيه أرسطو عندما جاءه رجل يلبس لباسا جميلا فقال له تحدث حتى أعرفك، فهناك من يغتر بالمناظر فقط ولا يهمه مخابر وعقول الرجال، وقيل: «إذا ما طاعك الزمان طيعه»، وهذه دلالة على وجوب الصبر على متقلبات الزمان وحوادثه، ومن الأمثال أيضاً: «خاطبوا الناس على قدر عقولهم»، وهذا أمر في غاية الأهمية بتوجيه الخطاب سواء كان دينياً أو اجتماعياً أو فكرياً على قدر فهم الناس ومستوياتهم العلمية. ختاماً الحكم والأمثال كثيرة جداً ومتنوعة، وتُعدُ من المدارس التي استفاد منها كثيرن في حياتهم اليومية وفي تعاملاتهم التجارية وفي علاقاتهم الإنسانية مع الآخرين، فحري بنا الاستفادة من تلك الحكم والأمثال قدر المستطاع وتداول الصالح منها وترك الغث وغير المفيد لأنها حقاً مدرسة حياتية جامعة ومفيدة لنا جميعاً، ولعلي في مقال قادم أتحدث عن الأمثال الأجنبية.