في قصة من قصص الأسى، حاول عبدالله انقاذ شقيقه من القصاص وطلب العفو من أولياء الدم لكنه اصطدم بطلب مبلغ يتجاوز العشرة ملايين وهو ما لا قدرة له عليه، حاول عبدالله البحث عن وسطاء لكنه لم يجد؛ نظرا لقلة أفراد أسرته، فاقترح عليه البعض طلب واسطات من وجهاء مقابل دفع مبالغ طائلة ويقومون بالسعي في حث أهل الميت على التنازل، من هذه القصة كانت قضية «اليوم» لهذا الأسبوع، فالتقت بمواطنين وأعيان أكدوا أن المبالغ الكبيرة التي صرفت في الديات خلال الأعوام الماضية أدت إلى تساهل البعض في القتل، فيما عجز البعض في عتق رقاب آخرين بسبب الإتجار بأرواح الموتى تحت ذريعة العفو مقابل مبالغ مادية، كما أن السمسرة أصبحت ظاهرة للعيان من بعض المصلحين، والأدهى والأمر أن البعض أصبح لا يأبه للقتل؛ لعلمه مسبقا بقيام أسرته وعشيرته بدفع المبالغ الطائلة. تاريخ القاتل ذكر أحمد التركي أن العديد من الديات انحرفت عن مسارها، حيث نشأت عنها مزايدات حولتها إلى تجارة بدم الضحية دون النظر في أمر القاتل إذا ما كان يستحق العفو أم لا. وأضاف، إن هناك أمرا يغفل عنه الجميع وهو دفع السعي لدفع مبالغ طائلة دون النظر في تاريخ القاتل وسوابقه الإجرامية، وهل العفو عنه سيؤدي لإثارة الفتن أم لا. وقال التركي: بعض المعفو عنهم معروفون بعدم مبالاتهم بدماء الناس وعرف عنهم التعدي الدائم على الغير، ومثل هؤلاء في تطبيق القصاص فيهم عبرة لغيرهم وإيقاف للتهور في الاعتداء، فالتعاون على الخير يكون بحق المستحقين وبما لا يثقل كاهل الأسر والمجتمع. مبالغ فلكية من جهته، أشار المواطن مبارك آل سلطان إلى أن البعض أصبح متهورا لدرجة التجني والقتل لمعرفته أن هناك من سيقوم بدفع الدية وإخراجه من السجن، حتى مع وصول الديات لمبالغ فلكية تثقل كاهل الأسر التي تحاول إنقاذ أبنائها من القصاص. وقال: الحرج يكون حاضرا عندما يتم إنشاء مجموعات لجمع المبالغ العالية، وهذا يجعل الصدور تمتلئ بالكراهية والشحناء لتحملها ديات مبالغ فيها، والذي تمخض عنه ما يسمى «سماسرة الدم»، وهؤلاء بالذات أكثر المستفيدين من المغالاة في الصلح بقضايا القتل، وللأسف الأمر زاد عن حده مع دخول مواقع التواصل الاجتماعي التي أشعلت قضايا التنازل في أحيان كثيرة بشكل سلبي من خلال هاشتاقات المطالبة بالعفو وجمع الديات. وأكد آل سلطان في ختام حديث أن بعض الحالات لا يردعها سوى إقامة الحد، حيث إن فائدة ذلك تؤدي لوقف استفحال الظواهر وتطورها إلى سلبيات أعظم. هيئة متخصصة فيما أكد المهندس طلال الشيخ أن مبالغ الديات تجاوزت الحدود المعقولة إلى مستويات عالية، وهي ظاهرة لا تمت بأي صلة للدين الإسلامي الذي يحض على التخفيف وعدم إرهاق كاهل الأسرة. وطالب الشيخ خطباء الجوامع ووجهاء المجتمع بالتحدث في المجالس والمساجد عن خطورة ارتفاع الأسعار وآثارها السلبية والحث على عدم المبالغة في التي تدفع في الديات؛ لتسود المحبة ويكون هناك وعي لدى المجتمع، واقترح أن يتم إنشاء هيئة معنية بالديات وتكون تحت مظلة الدولة ومن مهامها مراقبة الديات ومنع أي دية إلا عن طريقها وتكون من جميع شرائح المجتمع. فيما قال المواطن مشعل الغربي: إن قبيلته شهدت خلال عامين فقط جمع ديات أكثر من 80 مليون ريال لثلاث حالات، مضيفا إن بعض الوجهاء والوسطاء يتدخل وفق مبلغ مالي يتم الاتفاق عليه مسبقا وتصبح المسألة مزايدات ومتاجرة في روح الميت وحاجة الحي للعفو، علما بأن البعض يرفض أخذ مبلغ مالي ويعتبر تدخله لوجه الله ورغبة في عمل الخير. واعتبر الغربي أن الأنسب تحديد الدية بمبلغ لا يؤثر على أهل القاتل ويساعد أهل القتيل، فمثلا مبلغ مليوني ريال يعتبر مناسبا، كما أنه يفضل أن يكون للوضع المادي للقاتل وأسرته دور في تحديد الدية. تقنين الديات فيما شدد المعلم خالد العبيدة على ضرورة تكثيف الجهود نحو توعية المجتمع من الآثار السلبية تجاه ظاهرة المغالاة وخطورة المبالغة في الصلح بالديات وأثر ذلك على المجتمع، وبيان فضل العفو وثوابه بالدنيا والآخرة، لما له من آثار إيجابية على تكامل المجتمع. وأشار العبيدة إلى أن تقنين مبالغ الديات سيساهم في خفض المبالغ المليونية بشرط أن يلتزم الجميع بما يتم إقراره وأن يتم عمل رقابة ومنع بعض الظواهر التي تؤجج المجتمع وتساهم في رفع الأسعار، كما أن تدخل جهات رسمية في الدولة من شأنه المساهمة في وضع حد لمثل هذه المبالغ. تجارة وسمسرة فيما اقترح علي الشمراني أن يتم وضع سقف مناسب للديات ويكون بمقدور أهل القاتل توفيره، ما يساهم في توفير حياة كريمة لعائلة المقتول، بالإضافة إلى المساهمة في توظيف أبناء المقتول أو إخوته من قبل رجال الأعمال والوجهاء وتكون هناك مقاعد لهم في الجامعات، وبالتالي نستطيع تقليل المبالغ والمساهمة في تحسين دخل أسرة المقتول، لأنه وللأسف أصبح كثير من الديات تجارة يمارسها ويتكسب منها العديد من الأشخاص الذين يتدخلون للمساهمة في عتق الرقاب مقابل مبلغ مالي يتم دفعه لهم جراء السعي والتوسط والتدخل لقبول الدية. وأضاف إن المبالغة في التجمعات وإقامة المخيمات تساهم في ارتفاع مبلغ الدية، رغم أن الدولة وضعت حدا وسقفا للمبالغ ولكن الكثير لا يلتزمون. التجارة بالدم وقال المواطن حسين الصفار: إن ارتفاع مبالغ الديات أضر بنسبة كبيرة من شرائح المجتمع، فالرجل الذي ليس لديه جمع غفير من الأقارب سيعجز عن جمع مبلغ يصل إلى 20 مليونا، والذي من الطبيعي أن يعجز عن دفعه الكثير من العائلات وأن اجتمعت، وهو ما يؤدي إلى إرهاق كاهل الأسر. مضيفا إنه قبل وقت قصير تم العفو عن أحد أقاربه مقابل دية وصلت إلى 4 ملايين، مشيرا إلى أن بعض ما نراه اليوم مما يسمى واسطات الصلح لا يمت للصلح بشيء؛ لأن الديات لها هدفها الواضح ومقدارها المحدد، ولكن البعض يتاجر في الدم سواء من بعض الوجهاء أو بعض الأسر، ووصل بالبعض أن اتخذوا التدخل في الصلح مصدر دخل ورزق لهم. المعلومة شهد العام 2011 صدور موافقة رسمية تقضي بتعديل مقادير الدية في المملكة بعد تقديم طلب من قبل المحكمة العليا بضرورة مراجعة مقادير الدية الحالية والمحددة وفق الشريعة الإسلامية بقيمة مائة من الإبل تدفع لذوي القتيل، ونص الأمر الصادر بالموافقة على قرار المحكمة العليا بتعديل مقادير الدية، حيث بلغ تقدير دية العمد وشبه العمد ب400 ألف ريال، والخطأ ب300 ألف ريال. وكانت قد بحثت هيئة كبار العلماء، في وقت سابق، إعادة النظر في تقدير دية القتل الخطأ وشبه العمد، التي بقيت ثابتة منذ 29 عاما، بعد ارتفاع أسعار الإبل التي تعد مقياسا لتحديد الدية، وفقا للقانون السعودي الإسلامي. يذكر أنه قبل نحو 48 عاما أقرت الدية ب27 ألف ريال، حتى ارتفعت إلى 45 ألف ريال بعد ست سنوات، إلى أن توقفت عند حد 110 آلاف ريال للقتل شبه العمد و100 ألف ريال للقتل الخطأ للمسلم، ونصفها للمسلمة. ويأتي مبلغ الديات الجديد، بعد دراسة قيمة الإبل التقديرية في الوقت الحالي والتي يتركز عليها تقدير مبلغ الديات وتقاس عليها في مثل هذه القضايا، بعد ملاحظة تغير أسعارها مقارنة بالأعوام الماضية. الخبر إحدى قضايا القتل التي تم العفو عنها مؤخرا كانت مقابل مبلغ 55 مليون ريال ،، المعلومة 2 حظرت وزارة الإعلام، مؤخرا، إجراء أي تغطيات صحافية أو نشر أي إعلانات لجمع تبرعات الدية أو أسماء المتبرعين أو أرقام الحسابات أو أي ما من شأنه التسبب في مغالاة الصلح للمطالبة بأكثر من الدية في قضايا القتل. وشددت على ضرورة تكثيف الجهود بالاستمرار نحو توعية المجتمع من الآثار السلبية تجاه ظاهرة المغالاة، وحث الكتاب والمختصين على بيان خطورة المبالغة في الصلح بالديات وأثر ذلك على المجتمع، وبيان فضل العفو وثوابه بالدنيا والآخرة، لما له من آثار إيجابية على تكامل المجتمع. وكانت مسألة جمع الديات لعتق الرقاب بقيت متروكة لتنظيم المجتمع لفترة طويلة، قبل أن يدخل إليها الكثير من التجاوزات والمبالغات، وزاد الأمر حدة مع دخول مواقع التواصل الاجتماعي التي ألهبت من وتيرة المظاهر السلبية في كثير من الحالات، الأمر الذي استدعى تدخل الأجهزة الحكومية المعنية لوقف استفحال الظواهر وتطورها إلى ما لا تحمد عقباه. ورغم منع القانون السعودي الترويج لحملات جمع تبرعات الدية في الإعلام وعبر الشبكات الاجتماعية، غير أن الإعلانات من هذا النوع تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن أبرزها «تويتر». ونظرا لكون عملية جمع ديات عتق الرقاب كانت في إطار الاجتهادات الفردية والجماعية في جمع الأموال الطائلة أحيانا، تسربت إليها حالات متكررة من السرقة والمبالغات والاستغلال. الطب النفسي لخص أخصائي الطب النفسي أحمد آل سعيد ل «اليوم» الأسباب النفسية والاجتماعية التي تؤدي إلى التساهل في الاعتداء على الغير والوصول إلى القتل، في ضعف الوازع الديني لدى المعتدي أو القاتل كركيزة مهمة، بالإضافة إلى أسباب أخرى عديدة ومنها على سبيل المثال مرافقة أصدقاء السوء، وتعاطي المخدرات عند البعض، والتعصب الأعمى والتفكير اللاعقلاني وقلة الوعي والثقافة التربوية الصحيحة، وضعف التعليم عند البعض منهم والظروف الأسرية غير المستقرة للمعتدي مثل التفكك الأسري ومشاكل الطلاق والخلافات الزوجية بين الوالدين داخل الأسرة. وأشار آل سعيد لأهمية دور الأسرة والمجتمع في الحد من تكرار القتل وتساهل البعض، حيث أكد أن هناك دورا كبيرا للأسرة يكمن في الاهتمام بالأبناء من عمر مبكر لا سيما في مرحلة الطفولة، وكذلك في المراهقة، وذلك بتعديل سلوكياتهم الخاطئة مثل العصبية والغضب والتنمر وما شابه، كما أن على الأسرة أن تكون قدوة حسنة لأبنائها ليكونوا النموذج الذي يحتذى به. وأضاف آل سعيد، أن للمجتمع دورا مهما في الحد من مثل هذه السلوكيات الخطيرة من خلال التوعية للشباب بالمدارس والمساجد والمراكز المهتمة مثل أصدقاء تعزيز الصحة النفسية والإعلام بكل أشكاله من تلفاز وصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي لتوعية الشباب من الانزلاق في مثل هذه الجرائم. وقال: للأسف لا تزال هناك أسر تعتقد أن العيادات النفسية ومستشفيات الصحة والمراكز النفسية خاصة للمرضى العقليين فقط، وهذا ليس صحيحا بل لها دور هام في العلاج السلوكي والمعرفي والاجتماعي، فالمفترض ألا يتردد الشخص في الاستشارة عند الحاجة من قبل المختصين في المجال من أطباء وأخصائيين نفسيين واجتماعيين، خصوصا عندما يظهر الابن سلوكا غير معتاد أو غير مقبول، كما أن التدخل المبكر من شأنه معالجة الكثير من السلوكيات الخاطئة. وأضاف: هناك أيضا الجانب الاجتماعي وكيفية التواصل الصحيح والمقبول مع الآخرين لتعريفنا ما هي السلوكيات غير المقبولة، فيما يساعد الجانب المعرفي في التعرف على طريقة التفكير الايجابي والسليم والعقلاني والتركيز على الألفة والمحبة فيما بيننا، ونحن كمختصين نفسيين دورنا هو توعية الأسرة وارشادها لمساعدة أبنائها على أن يسلكوا السلوك السليم والتخلص من أي سلوك سلبي وانقاذهم من الوقوع في الإجرام مستقبلا لا سمح الله، وذلك بتوجيه الوالدين والأسرة أولا ثم الأبناء، خصوصا وأن لعلم النفس دورا مهما في بناء المعرفة وتعديل السلوك الإنساني؛ لأنه يهتم بدراسة السلوك الإنساني، والمساهمة في الجانب التربوي بتعليم الوالدين أو الأسرة والمربين ما هي الطرق الصحيحة لتربية الأبناء في الطفولة والمراهقة. قانوني: ما يحدث هو مزايدات واستغلال وغسيل أموال وصف قانونيون قرار وزارة الإعلام بمنع إجراء أي تغطيات صحافية أو نشر إعلانات لجمع تبرعات الدية، بأنه يؤكد حرص الدولة على استقرار النسيج الاجتماعي والحد من المغالاة في ديات القتل والمزايدات في حملات اعتاق الرقاب، والحث على العفو والصلح وإشاعة التسامح وحب فعل الخير وفق ما أمرت به الشريعة الإسلامية السمحة. وأضافوا: «للجهة المختصة التي تستمد صلاحياتها من ولي الأمر الحق في التدخل للحد من المغالاة في الديات ما دامت فيه مصلحة للناس ومنع للمشاق والضرر الذي يقع من بعضهم على البعض؛ لكون ذلك خرج عن نهجه الصحيح ومساره السليم من حملات صلح وعفو إلى المتاجرة بالدماء». وأشار القانونيون إلى أن القاعدة الشرعية نصت على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وبكل تأكيد فإن القرار سيسهم في خفض مبالغ الديات المليونية التي نراها ونسمع عنها، ويضيق فرص سماسرة الديات والمتاجرين بالدماء الذين يستغلون رغبة الجاني وأهله في السلامة من القصاص».