حتى منتصف القرن الميلادي الماضي لم يكن غزو المفردات الأجنبية عندنا بلغ أشدّه. والحال الآن أننا نستقبل وفرة من الكلمات التي لا عهد لنا بها، فجاءت الدبلوماسية بمفردات، وكذا جاء الإعلام بمفردات، والاثنان تباريا مع الاقتصاد والحاسب وأساليب الصيانة والتشغيل في نواح عديدة من حياتنا. وأعتقد أن من الكلمات الوافدة إلى لغة الضاد كلمة «الإتيكيت» التي أسرفنا في استعمالها. فالكلمة عامل مشترك للحراك العملي الاجتماعي. وخطر ببالي الآن مفردة «الإتيكيت» والبعض عندنا يستعملها لكل شيء تقريبا. ورأيتُ أن أصل إلى التعبير الأدق في زاوية اليوم. الإتيكيت هو الدقة والذوق وتقدير الآخرين واحترامهم، وهو خط فاصل بين الخطأ والصواب، لأنه يوضح طريقة المعاملة بين الأفراد حتى لا يقع أحدهم في الخطأ، وخصوصا الفتاة، فعليها أن تتقن هذا الفن لأنه حتما سيميزها عن غيرها لكونها محط أنظار الكثيرين الذين يترصدون حركاتها. على قدر ما تكون لبقة ورقيقة المعشر تلقى استحسانا. كلمة ال«إتيكيت» فرنسية. جاءت من اسم قائمة الأنظمة التى كانت تأتي على شكل بطاقة «تيكيت» يستلمها من أراد أن يدخل إلى البلاط الملكي الفرنسي لمقابلة الملك لويس الخامس عشر، وتضم تلك القائمة ما يجبُ أن يُعمل وما لا يجوز عمله في الحضرة الملكية. فهناك الواجب فعله والجائز والممنوع. وظهرت مطبوعات في القرن الماضي، ولاقت رواجا، تضم أدق وأبلغ ما كُتب في الموضوع، حتى طرق الحديث ومقدار ذبذبات الصوت في حفلة زواج مثلا. أو عشاء استقبال أو كوكتيل أو خطوبة أو مجلس عزاء أو مرافقة جنازة. ومنها الكتاب الأزرق في المناسبات الاجتماعية ل «إيميلي بوست» جاء على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في النصف الثاني من القرن الماضي. وفي بريطانيا، عليك أن تطلب من القائمة المعروضة في المطعم التقليدي ما يتناسب مع الذوق العام لرواد المطعم وزبائنه. فهذا القدح مثلا لا يُستعمل لذلك النوع من السوائل. وتلك السكين التي تكون عادة على يسار الجالس لا تصلح لاستعمال شريحة لحم البقر ال «ستيك». بل هي مُخصصة للأسماك. ونوع الجبن الذي يجب أن تأكل منه قليلا قبل تناول القهوة وبعد الحلو هو جبن مخصص لهذه الوقفة البسيطة بين الأطباق، وليس لعمل (ساندويتش). والذي بدأ يمحو هذا النوع من أنماط الحياة في أوروبا هو طغيان المادة. ففي أرقى مطاعم المايفير في لندن ستجد (شيش كباب) ومازة لبنانية وفجلاً وتبولة وحمّصاً.. وممكن أن تأكل بيدك.. أو بيديك الاثنتين، ما دام الرصيد في بطاقتك الائتمانية على ما يرام. قرأتُ حكمة تقول: «الإتيكيت هو قدرة المرء على التثاؤب.. مع بقاء فمه مُغلقاً».