ثقافة الغذاء الأميركية عندما غزت بريطانيا أواخر القرن الفائت أنقذت الكثير من إحراجات اجتماعية كانت الأسر البريطانية تُعاني منها عندما تذهب إلى المطعم الإنجليزي التقليدي الذي لا يرحب بمن يكسر تقاليد الوجبات الغذائية. أقول إن دخول الغذاء الأميركي والإيطالي قد كسر جدار التقاليد البريطانية، فالهمبورغر وشرائح النقانق (هوت دوقز) لا تحتاج إلى شُوِك وملاعق. في كثير من الأحيان يكون الذهاب إلى مطعم تقليدي في بريطانيا عذابا وليس متعة. لا أنصح من لا يعرف قاعدة تناول الطعام خارج المنزل أن يطرق مطعما إنجليزيا له شهرة بتقاليده العريقة. الرواد ملتزمون برسميات وطقوس الأكل هناك. وأشغل القوم أنفسهم بكل حركة على مائدة الأكل، فلكلّ حركة معنى. وجاءت أدبيات كثيرة هدفها تعليم المستجد كيف يأكل، وظهرت كتب ومطبوعات في أوائل القرن العشرين لاقت رواجاً. تضم أبلغ ما كتب في هذه المادة، حتى طرق الحديث ومقدار ذبذبات الصوت في حفلة زواج، أو عشاء استقبال أو كوكتيل خطوبة أو مجلس عزاء أو السير في جنازة. (الكتاب الأزرق في المناسبات الاجتماعية) ل"ايميلي بوست" جاء على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في النصف الثاني من هذا القرن. وقارئه -الراغب في الرقي عبر عتبات مجتمع الأغنياء- عليه أن يفهم الرموز والإشارات الكثيرة التي احتواها هذا المؤلف، ويقال إن أقدم كتاب جاء على شكل تعلميات للأباء عن طرق تأديب أبنائهم هو كتاب مصري قديم من أيام الفراعنة اسمه "تعليمات بتاح هوتيب". وتروج مطبوعات في التعامل الاجتماعي أو ال (إتكيكيت) في المجتمعات العصرية. أو في المجتمعات التي تود أن تكون عصرية -وليست بذلك- كالمجتمع الأميركي مثلا الذي يود معرفة كل جديد وغابر. ففي أوربا -وعلى الأخص بريطانيا- عليك أن تطلب من القائمة المعروضة في المطاعم التقليدية ما يتناسب مع الذوق العام لرواد المطعم وزبائنه. فهذا القدح مثلاً لا يستعمل إلا لذا النوع من السوائل. وهذه السكين التي على يسارك لا تصلح لاستعمالها لقطع شريحة لحم البقر، بل هي مخصصة للأسماك. ونوع الجبن الذي يجب أن تأكل منه قليلاً قبل تناول القهوة وبعد الحلو وهو جبن مخصص لهذه الوقفة.. وليس لل ساندويتش. والذي غطى على هذا النوع من أسلوب الحياة في أوروبا هو طغيان المادة، ففي أرقى مطاعم الماي فير في لندن ستجد "شيش كباب" ومزة.. يمكنك تناولها بيدك..! أو بيديك الاثنتين.. مادام أن الموقف المالي في بطاقتك المصرفية الذهبية على ما يرام. قرأت حكمة تقول "ال اتيكيت هو قدرة المرء على التثاؤب.. مع بقاء الفم مغلقاً".