الزعيم التاريخي للهند، جواهر لال نهرو يخشى الأثر الناعم للقوة الأمريكية على بلاده، خصوصا السينما وأفلامها، التي تنطلق من هوليوود لتبث للعالم بلغة الصوت والصورة، شكل الحلم الأمريكي ونقله على أنه الخلاص للبشرية جمعاء. وخشية نهرو كانت نابعة من أنه في الوقت الذي يمكن معرفة القوة الخشنة، وتحديد حجم خطرها، وسهولة مواجهته بشكل واضح، فإن القوة الناعمة موجات تتسرب دون أن يتمكن أحد من إيقافها. ولذلك أطلقت الهند هوليودها الخاصة، وأصبحت بوليود منصة هندية تغزو آسيا والخليج العربي، بل والعالم، مسوقة الثقافة الهندية، والإبداع الهندي، في أطر ناعمة لا يمكن أن تصد. ورغم الخلاف الباكستاني الشديد فإن القوة الناعمة الهندية لديها تأثير كبير في شبه القارة الهندية، لم تتمكن الأحقاد التاريخية بين الجارين «العديقين» من إيقافه. لماذا هذا الحديث عن الهند وسينماها وهوليود؟. السبب هو أن السعودية ستستقبل عامها الجديد بعشرات الآلاف من صالات السينما، والتي ستكون منصة لعرض ثقافة العالم، وأفكاره في هذه القوالب العذبة التي لا تضر. ولكن هذا لا يكفي. السينما في السعودية يجب ألا تكون مقرات عرض فحسب، ولا شاشات شديدة الدقة والوضوح، بل صناعة تنقل قوة المملكة الناعمة، وخيط اتصال واصل مع ثقافتها وتاريخها. نريد صناعة سينمائية تنطلق من الجذر التاريخي الذي قامت عليه المملكة بقواعده الثلاث: التاريخ العربي ما قبل الإسلام، والتاريخ الإسلامي، والتاريخ السعودي الذي نقلته عشرات الروايات التي نشرها مبدعون سعوديون بصور متميزة. إن وجود صناعة سينمائية سعودية ضخمة له أهمية كبيرة نابعة من كون أن هذه الصناعة ستكون إحدى الأدوات التي يمكن لها أن تنقل للعالم الصورة الحقيقية للمملكة وتاريخها وثقافتها. ولعل الإقبال السعودي الشعبي على صناعة تشبهه، هو بمثابة درع ثقافية يعزز من هويته، وإيمانه بقدرة بلاده على التواجد في الصفوف العالمية الأولى. السينما ليست مجرد شاشة، والأفلام ليست ساعات تسلية، بل إنها في المجمل بمثابة حاملة ضخمة للأفكار، وعابرة للحدود. تتسلل خفية إلى الفكر والوجدان، ولديها القدرة على التأثير، وتكوين الصورة التي يريدها الصانع، والأجهزة المرتبطة به. وجود صناعة سينما سعودية، مدعومة حكوميا، سيكون لها كثير من الأهمية للأمن الوطني، ومنصة استثمارية لا غنى عنها، وبالتأكيد ستثير حراكا أدبيا كبيرا في المملكة، ومظلة للمبدعين التائهين بين القارات.