الناس فيما يشربون أذواق وأهواء، فمنهم من لا يعتدل مزاجه إلا بشرب القهوة العربية المبهرة بالهيل، ومنهم من يعشق القهوة الغربية بأنواعها المختلفة ونكهاتها المتباينة. ومنهم من يعتدل مزاجه بشرب الشاي، وكل له نكته الخاصة ولمسته الفنية في التحضير. وأما عن سبب حديثنا عن أنواع المشروبات، فهو أن يوم 15 من هذا الشهر (ديسمبر) يوافق «اليوم العالمي للشاي». والشاي منه أنواع مختلفة الأسود (الأحمر)، والأخضر، والألونج، والأبيض. وله عدة فوائد صحية معروفة، ولكني أستغرب من الذين يشربونه لفائدته الصحية والمزاجية ويكثرون من السكر الأبيض معه (وهو مضر صحيا)، فهل هم يتذوقون الشاي أم السكر؟! وبحسب ما قرأت، فإن اكتشافه قد حدث في الصين بمحض الصدفة، حيث تحكي القصة أن إمبراطورا صينيا يدعى (شينونق) كان يحب شرب الماء المغلي، وذات يوم تساقطت من حديقته بعض من أوراق الشجر على الإناء، فتغير لونه وطعمه، ومن ذلك الحين عُرف الشاي. وبغض النظر عن صحة الحكاية من عدمها، فإن كثيرا من الاكتشافات جاءت بالصدفة، وليس السر في الصدفة، بل في العقل المنفتح والملاحظة والاهتمام، والتساؤلات المنطقية عن الحدث (انظر كتاب رب صدفة خير من ألف ميعاد للمنياوي). وبالحديث عن الصين والشاي، فإنهم يعدونه من العادات والتقاليد اليومية، وهم من أكبر المنتجين والمصدرين له، ثم تأتي الهند في المرتبة الثانية. وأما اليابانيون، فقد اشتهر عنهم أيضا تقاليدهم الخاصة ويفضلون الأخضر منه. وهناك عدة دول أخرى هم من الأوائل في تصديره للعالم. وهم بلا شك يدعمون هذا اليوم بقوة، وأن يكون من ضمن قائمة الأيام الدولية لدى هيئة الأمم، لأنه منتج مهم وذو نفع كبير لاقتصادهم. وفي كثير من الدول أصبح هناك ما يسمى بحفلة (شرب الشاي). وانتقلت حمى شربه إلى الإنجليز وظهرت عادة تسمى (شاي بعد الظهيرة) بين الطبقة الأرستقراطية في بدايات القرن التاسع عشر الميلادي. ثم طار ذلك التقليد إلى أمريكا، وظل هذا الشراب حكرا على الأغنياء، إلى أن جاء الاسكتلندي توماس لبيتون (كان عصيما فقيرا) في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي فحوله إلى منتج تجاري. وهنا يأتي الذكاء في تحويل الفكرة التي كانت محتكرة على طبقة معينة من المجتمع إلى باقي فئاته بحيث يكون مشروبا تجاريا ويكون سعره مناسبا ومتاحا للجميع. وأما على مستوى بعض دول الخليج، فيذكر أن في بداية انتشاره كان فقط للنساء وعيبا على الرجال!. وعلى النقيض من ذلك كان في إحدى الدول العربية حكرا على الرجال دون النساء، وكان الرجل يأخذ مفتاح صندوق الشاي معه احترازا، فسبحان الله على اختلاف الأذواق والعادات بين الناس!. ومن الطرائف في هذا الباب ما قرأت في كتاب «ملتقطات العويد» أنه حين سئل الشيخ صالح البليهي -رحمه الله- عن شرب الشاي بماء زمزم فقال: نور على نور. وليس المقصد من حديثنا مجرد سرد قصة الشاي، ولكن المقصد أنه كيف يمكن أن نحول الأفكار التي في رؤوسنا إلى منتج يحتاجه الناس بشكل يومي ولا يستغنون عنه؟!. والنقطة الأخرى هي كم من الأشياء التي تحدث من حولنا مصادفة (كما تساقطت أوراق الشاي في الأبريق) ولكن لم نعطها الاهتمام الكافي؟ ثم حين تنجح الفكرة وتنتشر نقول لأنفسنا: لماذا لم أفكر في ذلك من قبل؟!