كانت نساء الطبقة المخملية في القرن الثامن عشر الميلادي في بريطانيا يخبئن الشاي في صناديق محكمة الغلق بمفتاح؛ وذلك تفاديا لعبث الخدم به لارتفاع ثمنه واعتباره من المنتوجات المترفة. ومائدة الشاي في بريطانيا لها تراث عريق بقدم الإمبراطوريه البريطانيه التي كانت لا تغيب عنها الشمس. فطبعا لم تكن أوراق الشاي تأتي من بريطانيا نفسها، وإنما هي منتج للتوسع الاستعماري البريطاني في شبه القاره الهندية. والشاي بصفته مشروبا مترفا دخل إلى الثقافة البريطانية في القرن السابع عشر وبالتحديد بعد 1662 حينما اقترن الملك البريطاني شارلز الثاني بالأميرة البرتغالية كاثرين براجانزا وكنتيجة معتادة للزواجات الملكية وقتها فإن تبادل المنافع بين البلدين أعطى لبريطانيا حق التجارة الحرة مع الهند مما جعل الشاي مشروبا شائعا يوميا لدى الطبقات القادرة في بريطانيا. فالرجال البريطانيون كانوا يلتقون في دور القهوة العامة التي كانت تعتبر الملتقى الأمثل للرجال في القرن الثامن عشر، بينما كانت النساء يلتقين حول موائد الشاي في المنازل وهي المكان الطبيعي المقبول للمرأة وقتها. وكانت لموائد الشاي طقوسها وأتيكيتها، فكانت النساء الأرستقراطيات يتدربن منذ صغرهن على تفاصيل حركة الذراع وكيفية حمل الملعقة والكوب وطريقة سكب ورشف الشاي، وغيرها. فكانت هذه الحركات دلالة مباشرة على الطبقة التي تنتمي إليها السيدة ومكانتها الاجتماعية. وكان اللقاء حول مائدة الشاي مناسبة اجتماعية شبه يومية لدى الكثير من النساء المترفات، وكانت الأحاديث اليومية المتبادلة أثناء طقوس شرب الشاي من أكثر ما يتندر عليه الرجال الفيكتوريون والإدوارديون وقتها فقد كانوا يعتبرون جلسة الشاي مناسبة هامة للنميمة والثرثرة. ولكن هذا فيه ظلم كبير لنساء الطبقة المخملية وقتها، فقد كن بجلستهن للشاي مشاركات في أوائل ما نسميه اليوم الاقتصاد العالمي «جلوبال ايكونومي» فالشاي كما ذكرنا من المنتوجات الاستعمارية، وكوب الشاي المصنوع من مادة التشاينا الذي بدأ بلا ذراع أو بلا حامل كان يصنع في الصين طبقا لمواصفات إنجليزية، ويصدر إلى بريطانيا للاستخدام المحلي وبعدها بدأت شركات بريطانية مثل ويدجوود في صنعه طبقا لأهواء الجمهور البريطاني. بل وأن السكر الذي كان يستخدم في تحلية الشاي كان من منتوجات حقول القصب في الكاريبي والتي سخرت فيها الإمبراطورية البريطانية العبيد لزراعة وتصنيع السكر، وهي عملية شاقة محفوفة بالمخاطر. كان الكثير من المستعبدين وقتها يدفعون حياتهم ثمنا لإنتاج السكر مما شجع تجارة العبيد في الازدهار لسد الطلب المتواصل في الإنتاج. وحينما عرفت نساء القرن الثامن عشر بالظروف غير الإنسانيه التي تحف إنتاج السكر، قمن بمقاطعة السكر في الشاي كمحاولة منهن لمحاربة تجارة العبيد من أفريقيا وقتها. وبذلك يمكننا أن نعتبر هؤلاء النسوة من نهايات القرن الثامن عشر من أوائل الأفراد الذين يعتبرون كناشطين استهلاكيين مناهضين لتسخير العمال غير الإنساني. ولم تكن النساء الوحيدات المناهضات لاستعباد الإنسان من أجل الإنتاج المتعلق بالشاي. فيجدر بالذكر أن جوسياه ودجوود وهو الحرفي الذي أسس شركة ودجوود الشهيرة للصناعات الخزفيه مثل أكواب الشاي كان من أشد المعادين للعبودية وله رسم شهير لشخص مستعبد مكبل بالأغلال ويرتدي ملابسا مهلهلة بالكاد تستره وتحته شعار (ألست أنا أيضا إنسان وأخ)؟ وانتشر هذا الشعار بين الناس وقتها بكثرة، بل ولبسته النساء في أساورهن وفي زينة شعورهن رمزا لأملهن في تحقيق الحرية والعدالة والإنسانية. ولكن طاولة الشاي رغم كل الشعارات المثالية، ظلت حكرا على نساء الطبقات المرفهة اللواتي يسمح لهن وقتهن وظروف حياتهن الهادئة باللقاءات الطويلة البعيدة عن التوتر. فالنساء العاملات من الطبقات الدنيا ربما كن يعشن ويمتن وهن لا يعرفن نكهة الشاي فهو رفاهية لا يقدرن عليها. فالعاملات في الحقل مثلا أو الخادمات أو المرضعات اللواتي كن يأتين من الطبقات المعثرة ماديا كن يعتبرن الشاي رفاهية وحلما. وكان عيبا جدا بالنسبة للمرأة الفقيرة أن تبدي مجرد الرغبه في تدليل نفسها بتقليد أسلوب الحياة المرفه الشبيه بذاك الذي تحظى به النساء الأرستقراطيات، فذلك كان مرفوضا من أقرانها ومن الطبقة الغنية التي تعتبر متع الحياة كالشاي حكرا لها فتخبئ أوراقه الثمينة المستوردة من ما وراء البحار في علبة خشبية مزخرفة بمفتاح يخبأ في مكان سري لا تعرفه إلا (المدام).