شكل قيام مجلس التعاون الخليجي انعطافة تاريخية هامة بالنسبة لدول الخليج العربية، وكانت الطموحات كبيرة في أن ينقل المنطقة إلى آفاق واسعة من التعاون السياسي والاقتصادى والأمني، وأن يحقق لدوله المزيد من التقدم المعرفي والتقني والصناعي والزراعي والبحث العلمي، لكي يضمن لهذه الدول الاكتفاء الذاتي في كثير من أمورها الحياتية، ويضعها في درجة متقدمة من الريادة بالنسبة للتحالفات الإقليمية والدولية، لكن قرارات المجلس لا تزال دون الطموح الذي يأمله المواطن الخليجي سواء كان قياديا أو من عامة الناس؛ لأن المجلس في نظامه الأساسي يهدف لتطوير العلاقات بين دوله، والانتقال بها إلى مصاف الدول الأكثر تقدما وازدهارا في العالم، و لا عذر لأن يكون غير ذلك لأن الإرادة الرسمية والشعبية في دول المجلس تطمع للمزيد من الإنجازات التي لم يتحقق منها سوى القليل، وما زالت الفرص متاحة لتحقيق المزيد من هذه الإنجازات. وطوال تاريخ المجلس كانت الرسائل المباشرة وغير المباشرة توجه للقيادات الخليجية للمطالبة بالمزيد من المنجزات المؤدية لتحقيق الأمن والرفاهية للمواطن الخليجي، وهذه القيادات تدرك دون شك أهمية تحقيق تلك المنجزات وربما أكثر، لكن عوامل كثيرة تحد من هذه الانطلاقة المنشودة، وفي الآونة الأخيرة..... هذه الانتقادات إلى حملات مغرضة، لا أسباب لها سوى إرضاء جهات ودول لا تزال تعمل على تفتيت الصف الخليجي، وزرع الخلافات بين دوله، والعمل على تحجيم طموحات هذه الدول، وفرق شاسع بين من ينتقد أداء المجلس طمعا في إنجازات أكبر تعود بالخير على دوله العربية، وبين من ينتقد المجلس ليقدم عنه صورة سوداوية، وهي مهمة مشبوهة تتولاها فئة من الإعلاميين المنبوذين حتى من دولهم لإرضاء أسيادهم في طهران، وإصلاح البيت الخليجي لا يتم من خارج حدوده، بل في الإطار الذي حدده نظامه الأساسي، وقرارات قياداته، ومع أن هذه الأصوات التي تغرد خارج السرب الخليجي قد ارتفعت وتيرة نعيقها في الفترة الأخيرة، فإن هذا لن يفت في عضد أبناء الخليج، ولن يدفعهم إلى التشكيك في دور المجلس في إصلاح البيت الخليجي إن عاجلا أو آجلا؛ لأن مسيرة الإصلاح في هذه الدول، وقطار النهضة فيها، يسيران بشكل متوازن، اعتمادا على معطيات الواقع الخليجي وطموحات أبنائه، وهي طموحات لا تحد، ولا يمكن إنجازها بين يوم وليلة، وفي كل الأحوال يظل المجلس هو الضمانة الأولى للتطوير والإصلاح والتعاون والتنسيق بين دوله، وفق ظروف كل دولة، وما تراه مناسبا، وما تمليه ظروفها الاقتصادية والسياسية، وما المطالبة بتحويل المجلس إلى اتحاد تحتفظ فيه كل دولة بقرارها السياسي والاقتصادي والأمني إلا دلالة على حرص دوله على أداء عمله، بعيدا عن التشنج والانفعال والمبالغة، والحملات المغرضة الهادفة لإرضاء ملالي طهران، ومن سار على دروبهم المحفوفة بالمخاطر وسوء العواقب، والنتائج الكارثية على المنطقة. مجلس التعاون سيظل قلعة خليجية صامدة في وجه كل تحدٍ يقف وراءه أعداء الخليج بدوله العربية.