استقبلت المحاضن التربوية والمؤسسات التعليمية على امتداد المساحة الجغرافية المترامية الأطراف لمملكتنا الحبيبة - أكثر من نصف مليون معلم ومعلمة، وما يزيد على ستة ملايين طالب وطالبة. وبدأ الاستعداد على قدم وساق لتهيئة الميدان التعليمي والتربوي لاستقبال أجيالنا الناشئة في صروح التعليم منذ ما يزيد على شهر قبل العودة. ولعلي أبث في ثنايا هذه المساحة الصغيرة بعض الرسائل للمعلمين والمعلمات، والتي أزعم أنها تهمّ كثيرًا من المخلصين: 1- نقول لمعلمنا الموقر: تألف أهل بيتك وطلابك ببذل بعض المال والعلم، وبسط الوجه واحتمال الأذى، ولتكن البداءة منك في الهبات اليسيرة المادية والمعنوية تحُز قلوبهم فتُفتح لك مغاليقها، فقد قال ابن تيمية: «ينبغي تيسير طريق الخير والإعانة عليه والترغيب فيه؛ مثل أن يبذل لولده وأهله أو رعيته ما يرغّبهم في العمل الصالح: من مال أو ثناء أو غيره.. ولهذا شُرع عطاء المؤلّفة قلوبهم، فقد روي: أن الرجل كان يسلم أول النهار رغبة في الدنيا، فلا يجيء آخر النهار إلا والإسلام أحب إليه مما طلعت عليه الشمس» [الفتاوى 28/ 370]. 2- هتك الأستار والتشهير بالأخطاء السلوكية على مرأى ومسمع من الزملاء.. مما ينبغي أن يحذر منه المعلم عند التعامل مع الشخصيات ذوات الأنماط الصعبة من الطلبة والطالبات لئلا يقع الطالب في شراك العناد والتحدي الذي يصعب الخروج منه، فيجترئ على ارتكاب المحظورات عرفًا وشرعًا. 3- بين الثواب والعقاب يقف المربي متلطفًا.. محفزًا حينًا ومتغافلًا أحيانًا كثيرة.. مثمنًا للفعل المليح وإن ندر.. غاضًّا الطرف عن التصرف القبيح وإن كثُر، لا سيما في سنّ المراهقة التي تتسم برعونة التصرفات غالبًا. 4- خُذ أيها المعلم الرشيد على عاتقك مهمة بناء العقول وإصلاح النفوس لا تقديم المحتوى العلمي للمنهج الدراسي فحسب، وليكن تجويدك للتدريس وحرصك على تقديم المواد الدراسية بأحدث الإستراتيجيات ليس بأقل من إحسانك إلى تلك الأرواح المتوثبة والأبصار الناظرة إليك في حجرات الدراسة، ومقاعد التعليم بالكلمة الطيبة والتذكير المتواصل بضوابط المواطنة الصالحة، وبالحقوق والواجبات المتبادلة بين الفرد ومجتمعه. 5- وأخيرًا أسلّي كثيرًا من المعلمين والمعلمات برسائل تهوّن عليهم مصابهم فيما يجدونه من مشاكسات بعض الطلبة والطالبات مع افتقارهم لشيء غير يسير من أدب التعامل مع أولي الفضل والعلم، فأبوح لهم بما نقله أبو هلال العسكري في ديوان المعاني: (أكْيس الصبيان أشدهم بغضًا للمكتب) - يعني: مكان التعليم -. ما يدلّ على أن فرط شغبهم وتمرّدهم علامة على حدّة أذهانهم وشدة فطنتهم، وقوة شكيمتهم بما لا يوجد عند غيرهم من الصبية، فلعله إن صبر عليهم رجا نبوغهم وتميّزهم وفلاحهم في خدمة أمتهم.