من أكثر أسرار الكون التي ما زال وسيظل يُبحر في مكنوناتها بنو آدم هو الجمال. للجمال تعريفات كثيرة لا تعد ولا تحصى، فلكلٍ منا تعريف للجمال يتغنى ويفتخر به. الجمال لدى البعض يتجلى في الملامح والمظهر الجميل الآسر، والبعض يراه في جمال العقل الذي بات جليا للعيان من حكمة كلماته وأفعاله. الحقيقة، لم يكشف إلى الآن سر الجمال. إننا لا نعلم حقا السبب وراء الدهشة التي تلم بنا حين نتأمل في طبيعة الله الخلابة، في الجبال الشاهقة، في الأشجار المثمرة، في الغيوم المبشرة بما فيه لنا حياة، في المحيطات التي تأسرنا بغموضها، في نسمات الربيع، في إشراقة الشمس التي تحفزنا على النهوض من جديد، وفي شتى الأمور التي تخلق الابتسامة على ثغرك. حقا نحن لا نعلم حقيقة هذا الإحساس العميق، لكننا نعلم أن هذا السر أودعهُ الله الخالق البارئ في مخلوقاته لغاية وحكمة عظيمة. إن الجمال في ممر الدنيا يحثنا على البحث عما يكمن وراءه، يحثنا على البحث عن خالق هذا الجمال، إنه يوقظنا من سباتنا وغفلتنا العميقة، فنغدو حائرين متسائلين: من ذا الذي أودع هذا الجمال الفتان في شتى بقاع الكون؟ وإن كان الكون بهذا الجمال الآخذ فما ظننا بخالقه العظيم؟ هذا الجمال يجعلنا ننطق بإيمان عميق ويقين بالحديث القدسي: ((إن الله جميل يحب الجمال)). إنه الله، الخالق البارئ المصور، الله خالق الكون العظيم الذي أودع الجمال في شتى ذراته. هو الذي خلقنا فأحسن خلقنا، وهو الذي قال في كتابه الكريم: «لقد خلقنا الإنسان فِي أحسنِ تقوِيمٍ». إنه الله الأول والآخر الذي لا تأخذه سنة ولا نوم عن تدبير شؤون هذا الكون العظيم. إنه الله الذي تتجلى كمال قدرته في تمام مخلوقاته المبهرة التي يكاد الناس منذ بداية الخلق لا ينفكون عن البحث عن ماهيتها، لكنهم إلى الان لم يكتشفوا الشفرات كاملة. إنه الله الذي أودع الجمال في كونه لنبحث عن خالق هذا الجمال ونتمعن في عظيم آياته التي لا تعد ولا تحصى. - «ينطق لسانك بالرغم عنك أمام الجمال ليقول: الله، وتصرخ حينما تتلوى لتقول: الله.. إنه صوت قلبك الذي رأى طابع الإله وأثر يديه على مخلوقاته» - د. مصطفى محمود.