«أعشق الدوام لأنه يجعلني أستيقظ مبكرًا! وأشعر بالنشاط مباشرة! الدوام فيه متعة حقيقية! خنقتني العبرة من حجم الكذب في الكلمات السابقة!» تصلني هذه الطرفة مع بداية كل دوام وسبق أن صدرت بها إحدى مقالاتي وجاءني بعدها -وما زال- سيلٌ من الاتهامات بالمثالية الزائدة، بل سأل البعض ربهم بابتهال يُدمع العيون أن يجعله الله مثلي كارهًا للإجازة محبًا للدوام، وبغض النظر عن كوني أحب الدوام أو لا أحبه، إلا أننا يجب أن نبتعد عن المثالية ونلتزم بالواقعية، فالكل يتمنى حياة لا مرض فيها ولا شقاء ولا كِبر ولا التزام! ولكن ليست هذه هي الحياة! ولا هذا هو الإنسان! فالحياة لا تحترم بل ولا يمكن أن يعيش فيها إلا المنتجون، والإنسان لا يكون إنسانًا براحته ونومه، بل بعمله وعطائه! وحسب الإنتاج يكون الاحترام ومستوى الإنسانية! وتظل الأماني هي رأس أموال المفاليس! والمسار الصحيح أن نتعامل مع عملنا -طلبةً وموظفين ومن في حكمهم- بما يجلب لنا الراحة والفائدة الأكبر من هذه الأعمال بتحويلها بقدر الإمكان إلى مناطق جاذبة لا طاردة! كيف؟! هناك أكثر من وسيلة، فالتميز في العمل من خلال اعطائه الفكر والجهد وسيلة لحبه، ولا يمكن أن ترى فاشلًا محبًا لمكان فشله! والتفنن في تحسين البيئة المادية، فلماذا عندما نكون في أعمالنا لا يمكن أن نُرى بالعين المجردة من الأوراق وبقايا الطعام المتناثرة على مكاتبنا وعن أيماننا وشمائلنا ومن فوقنا وتحتنا، بينما نحن في بيوتنا على غير ذلك تمامًا! وأيضا تحويل الزملاء والمراجعين إلى وسيلة للرقي والراحة، بالتعامل الجميل مع الزميل والمراجع فهما وسيلة راحتنا وشقائنا أيضا! وفوق ذلك ربط كل ما نفعل بالأجر الأخروي الباقي ففي هذا دعوة نبوية من خير البشرية صلوات الله وسلامه عليه (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به)! وطالب النجاح على الدوام يسأل ربه: (اللهم اجعل رزقي فيما أحب)، فهذا الهدف يستحق السعي له بكل وسيلة ممكنة!