بعد اكتمال ونجاح وصول حجاج بيت الله الحرام إلى مشعر منى، وقضاء يوم التروية بها اقتداءً بهدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يتوافد اليوم ضيوف الرحمن إلى صعيد عرفات منذ ساعات الصباح الباكر وحتى غروب الشمس ليكتمل المشهد المليوني العظيم وقد وحد رداء الإحرام ألوانهم بعد أن وحد المكان انتماءهم الديني لتجتمع الكلمة في المكان الواحد متجهين إلى الله بالتلبية والذكر خاشعين متضرعين مجتهدين في الدعاء، حيث يباهي الله -عز وجل- بهم أمام الملائكة، ويُشهدهم بأن مغفرته قد حلت عليهم، ورضوانه قد أتمه عليهم، الثواب ينتظرهم، وتكفير الخطايا جزاؤهم، والجنة مثواهم، أرواحهم ظامئة تبحث عن طمأنينة، وأعينهم تفيض بالدمع طلبًا للسكينة، وآمالهم طامعة لوعد إلهي بعودتهم إلى ديارهم كما ولدتهم أمهاتهم، بأجواء مليئة بالروحانية، منعمين بحمد الله بالخدمات المتميزة التي تقدمها لهم تلك الجهات الحكومية الساهرة التي لا تألو جهدًا في العمل على تيسير أداء نسكهم، من دون كللٍ أو ملل لتسخير كل إمكاناتها وطاقاتها البشرية والمادية لتقديم كل التسهيلات الخدمية والمكانية حتى يتفرغ الحاج لحجه فقط دون مشقة أو عناء بقدر المستطاع، فمشاريع تتوسع ومنشآت تتواصل، وخدمات لم تتوقف في تيسير أعمال الحج وسلاسة أداء المناسك وأعين تسهر لحماية الحجاج، فالجهود الكبيرة التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين لراحة وخدمة ضيوف الرحمن تشهد تطورًا مستمرًا وعظيمًا يومًا بعد يوم، منتقلين بين المشاعر بكل سلاسة بعد أن قامت حكومة خادم الحرمين الشريفين بربط مكةالمكرمة بالمشاعر المقدسة بشبكة طرق عديدة، إضافة إلى الأنفاق والطرق الخاصة بالمشاة التي زوّدت بجميع ما يحتاجه الحاج وهو في طريقه إلى منى، لتقديم موسم حج ناجح خالص لوجه الله دون مشقة أو تعب مما سهل على الحجاج أداء مناسكهم بيسر وسهولة وفي جو إيماني وروحاني. وبعد غروب شمس التاسع من ذي الحجة تسير قوافل الحجيج صوب مشعر مزدلفة ليصلوا بها المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا بأذان واحد وإقامتين فور وصولهم وليبيتوا ليلتهم هناك ملبين ذاكرين شاكرين الله على فضله وإحسانه بأن كتب لهم شهود وقفة عرفات.