كما اكتشفت أوروبا أن إغلاق الحدود في وجه الأفارقة لن يحل مشكلة الهجرة اليها، ها هي الولاياتالمتحدة تتعلم مرة أخرى من أزمة المهاجرين الذين يتدفقون عبر حدودها الجنوبية. كل ما في الأمر أنه ليس بإمكانك إغلاق الأبواب في وجه جيرانك الفقراء بهذه البساطة عبر تشديد إجراءات الأمن على الحدود، فالدرس المستفاد هو إذا أردت أن تكون آمنًا فينبغي أن تكون جارًا يهرع إليه الناس وقت الشدة. عندما جاء الرئيس ترامب إلى السلطة بدا أن إقامة جدار حدودي عالي الأسوار يكفي في رأي العديد من مؤيديه لتوفير الحل وإنهاء تدفق المهاجرين عبر الحدود من جنوب البلاد، لكن الإدارة وعت فيما يبدو الدرس أخيرًا، وقررت معالجة جذور المشكلة مبتدئة بالمساهمة في حل مشكلة الفقر المدقع والاضطرابات التي تقض مضاجع أمريكا الوسطى. واليوم في مقدمة ما يشغل ادارة ترامب هو الوضع في جواتيمالا وهندوراس والسلفادور، فمن هذه البلدان الثلاثة فر خلال هذا العام ما يقدر بنحو 150000 شخص إلى الولاياتالمتحدة، وإذا لم تعالج أمريكا القضايا المستفحلة في تلك الدول، كما اعترف وزير خارجيتها مايك بومبيو الشهر الماضي، فستواجه الولاياتالمتحدة «تحديات على طول حدودها الجنوبية ولسنوات وسنوات قادمة». حاولت الإدارة ضمن هذه المعالجات التأثير على الأحداث في نيكاراجوا التي شهدت احتجاجات مناهضة للحكومة على مدى ثلاثة أشهر أدت لمقتل أكثر من 200 شخص، ففرضت عقوبات على ثلاثة مسؤولين كبار في هذا البلد، وأراد مسؤول في إدارة ترامب توصيل رسالة للحكومة، فأعلن أن الولاياتالمتحدة «لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة الانتهاكات التي تحدث في نيكاراغوا». ووعدت الإدارة الأمريكية بتقديم 10 ملايين دولار كمساعدات لكولومبيا لتسهيل استيعاب عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يفرون من بلادهم بسبب الجوع والقمع في فنزويلا المجاورة. لكن ما يثير مخاوف الولاياتالمتحدة هو تهديد رئيس المكسيك الجديد أندريه مانويل لوبيز بإنهاء برنامج تدعمه واشنطن للحد من تدفق المهاجرين عبر الحدود الجنوبية للمكسيك، وقال مانويل: ينبغي على بلاده ألا تقوم «بالعمل القذر» لصالح الولاياتالمتحدة وأن تركز على رفاهية مهاجريها داخل أمريكا. هذه التطورات هي التي جعلت نائب الرئيس مايك بنس يسافر إلى أمريكا الوسطى في يونيو الماضي، ويعرض بشكل مباشر على مواطني تلك الدول أن يبقوا في بلدانهم فخاطبهم قائلا: «قوموا ببناء حياتكم في أوطانكم، واعلموا أن شعب الولاياتالمتحدةالأمريكية سيواصل العمل كل يوم من أجل مستقبل أكثر إشراقًا لشعبنا ولجميع شعوب هذا العالم الجديد، فنحن مرتبطون معًا كأصدقاء في هذا النصف الغربي من الكرة الارضية الذي يتسم بالحرية ويتصف بالإيمان». يشار هنا إلى أن النقطة الجوهرية في الجدل الدائر داخل الولاياتالمتحدة حول أمريكا الوسطى، هي حجم المساعدات التي تقدمها أمريكا لهذه المنطقة من العالم وكيفية توزيعها، فقد انخفضت في العامين الماليين الماضيين من 750 مليون دولار في عام 2016 إلى 615 مليون دولار في هذا العام، ويبدو أن الكونجرس يريد خفضها إلى أقل من 600 مليون دولار، يطالب بعض أعضائه بأن يتم ضمان توجيه معظم الأموال إلى الهندوراس وجواتيمالا والسلفادور، وهو ما يعرف بالمثلث الشمالي لأمريكا الوسطى. وإذا كان لنا أن نعقد مقارنة، فإن هذا التناقص في الدعم الأمريكي للبلدان التي يتدفق منها المهاجرون عبر الحدود الجنوبية، يبدو متناقضًا مع التحرك الأوروبي لتقديم المساعدات للدول الأفريقية التي تشكل المصدر الرئيس للمهاجرين عبر المتوسط نحو أوروبا. قد لا يختلف اثنان في أن الدوافع المؤدية للهجرة في أمريكا الوسطى ومعظم دول أفريقيا تكاد تكون متطابقة لكن كما اكتشف الأوروبيون فإن الولاياتالمتحدة لا يمكنها تجاهل جذور المشاكل. فتكلفة تقديم المساعدات لتلك الدول قد تكون أقل بكثير من تكلفة تعزيز أمن الحدود ببناء الجدران ومد الأسلاك الشائكة.